فجر نور الدين الرياحي، المحامي العام بالمجلس الأعلى، نقاطا ظلت إلى وقت قريب ضمن الطابوهات التي لا يمكن الإفصاح عنها في علاقة وزير العدل بالقضاة. واعتبر الرياحي الذي كان يتحدث في ندوة القضاء والإصلاحات الدستورية بالرباط الأربعاء الماضي، ممثلا عن الودادية الحسنية للقضاة، أنه آن الوقت لتحطيم جدار الصمت والسبات العميق الذي أطبق على القضاة منذ سنين عدة، لأن قضاة ما قبل 9 مارس ليسوا قضاة ما بعد الخطاب، وأقر أن وزراء العدل الذين تعاقبوا على الوزارة كانوا «يفعلون ما يشاؤون دون محاسبة وأن القضاة يظلون آخر من يعلم»، في إشارة إلى دورهم داخل تركيبة المجلس الأعلى للقضاء الذي ترفضه الودادية بالنظر إلى أن المجلس الأعلى للقضاء شأن داخلي للقضاة ولا يحتاج لوجود أجانب ضمن تركيبته.
وانتقد الرياحي الإحراج الذي يتسبب فيه وزير العدل لمجموعة من القضاة الذين يتم الزج بهم في قضايا يحركها بصفته رئيسا للنيابة العامة، وتكون ذات طابع سياسي، ومن تم طالب بنزع الاختصاصات الموكولة إلى وزير العدل في إطار النيابة العامة ومنح الإشراف عليها إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى، الشيء الذي يتطلب تعديلا في قانون المسطرة الجنائية.
انتقادات الرياحي لوزراء العدل لم تقف عند هذا الحد، بل عرجت على مسألة حساسة تخص التفتيش القضائي وتأثيره على مسار عمل القضاة، ولم يخف الرياحي أن تلك السلطة المخولة لوزير العدل جعلت بعض القضاة موظفين لديه ويخوضون حربا ضد زملائهم.
العلاقة بين القضاة ووزير العدل يبدو فعلا أنها على غير ما يرام، بعد أن أعلن الأخير في حوار مع الزميلة ليكونومست أن رفض القضاة وجوده ضمن تركيبة المجلس غير ذي أساس، على اعتبار أن التركبية الحالية تضم 9 قضاة، 3 منهم معينون بقوة القانون و6 منتخبون، أي 9 أصوات مقابل صوت واحد لوزير العدل، وأن المشكل الحقيقي ليس في وجوده من عدمه، ولكن في وجود قضاة يخدمون مصالح التحالفات عوض المصلحة العامة للعدالة، واعتبر الوزير أنه يجب أن تتوفر في أعضاء المجلس الشجاعة لأجل التصدي لاقتراحات وزير العدل، وهي حسبه مسألة «أشخاص ومواقف».
انتقادات الوزير للقضاة انصبت كذلك على أن 90 في المائة منهم لا يعرفون قراءة حساب حصيلة الشركات والمؤسسات المالية، ومن تم كيف يمكن لهم البت في ملفات الاختلاس، إذا لم يكونوا ملمين بعناصر المحاسبة العمومية والخاصة، وهي خاصية حسب الوزير، يتقاسمها قضاة التحقيق وقضاة الحكم، ما يتطلب حسب الوزير لتفادي هذا الوضع، خلق محاكم مختصة في هذا الميدان، وإيفاد قضاة للتكوين.
تصريحات وزير العدل حول المجلس الأعلى للقضاء وتدبير ملفات الاختلاسات تحيل على مجموعة من التساؤلات حول أحوال القضاء بالمغرب، وهل تدبير ملفات الاختلاسات لم يكن بالشكل القانوني، لأن النسبة التي تحدث عنها مهمة وتتطلب وقفة تأمل، فالحديث صادر عن وزير للعدل خبر العمل في المحاكم لمدة 40 سنة، وتولى الوزارة أزيد من سنة ونصف. أسئلة تتطلب توضيحات، وتتطلب من قضاة المجلس الأعلى للقضاء الجرأة والشجاعة لتأكيد أو نفي ما وصفوا به.
كريمة مصلي