هل من الجائز، من وجهة نظر علم التواصل المؤسساتي، أن يزج بمسؤول حكومي في برنامج تلفزيوني مباشر دون إعداد مسبق، كما وقع مساء أول أمس (الثلاثاء) بالقناة الأولى ضمن «قضايا وآراء» لمعده عبد الرحمان العدوي؟ ومن اقترح على وزير العدل مرورا إعلاميا بهذه الصورة غير المقنعة؟ ومن له مصلحة في توريط «الطيب» الناصري والزج به في مربع نقاش يقف على
طرفه ثلاثة «صقور» كانوا على أهبة الاستعداد للانقضاض على المشهد، بذكاء لافت، وتسجيل عدد من النقاط في مرمى الضيف الرئيسي؟
- الأول، المحامي عبد اللطيف وهبي الذي وجه منذ الدقائق الأولى ضربات متتالية إلى أطروحات الوزير، شبيهة بتلك التي يوجهها ملاكم متمرس إلى وجه خصم «بوجادي»، ونجح، إلى حد كبير في إرباكه وتشتيت أفكاره.
- والثاني، عبد العزيز النويضي، رئيس جمعية عدالة، بهدوئه ودمه البارد، و«لسعاته» الموجهة، بإحكام، إلى عمق الإشكال القانوني المعرقل لمشروع استقلال القضاء بالمغرب، وهو ينبه السلطة التنفيذية، في كل مرة، إلى حتمية رفع يدها عن رقاب القضاة المغاربة تأديبا وتنقيلا وتنقيطا وعطلا.
- والثالث، المحامي الاتحادي عبد الكبير طبيح الذي عرف كيف يوظف دهاءه السياسي والقانوني في اللحظة المناسبة، حين استدرج الوزير إلى ملعبه لسد الفراغات التي خلفتها تصريحاته المقتضبة وغير المقنعة في مواضيع حساسة مرتبطة بمركزية القضاء والعدل في الاستقرار العام للبلاد.
لقد لاحظ الجميع كيف تحول طبيح إلى رجل إنقاذ رهن إشارة الوزير يتكفل بتصحيح هفواته ويدقق أطروحاته ويمد له، في الوقت المناسب، طوق النجاة حين يحس أن أمواج البرنامج تقترب من إغراقه.
وهكذا سحب طبيح من قبعته، مثل ساحر، أكثر من جواب على أسئلة آنية كان الأحرى أن يجيب عليها ممثل الحكومة ويدافع بها عن وجوده في البرنامج، ومن هذه الأجوبة:
- تقويض نظرية الإسراع في البت في قضايا الجرائم المالية والفساد، التي تشبث بها المتدخلون، مؤكدا أن الأهم ليس الضغط على القضاة لاعتقال المتهمين والمشتبه فيهم وتقديمهم أمام المحاكم، بل توفير الوقت الكافي لهيأة المحكمة لإنجاز عملها في ملفات ذات طبيعة خاصة تتطلب إمكانيات وجهدا استثنائيا.
- «براعته» في قلب دفة النقاش في موضوع العفو الملكي، وإخراجه من جلباب التحليل السياسي الصرف والعودة به إلى الأصل القانوني، أي واجب التفريق بين العفو الملكي العادي، أو الخاص الذي يتعلق فقط بإسقاط العقوبة وليس الفعل الموجب لهذه العقوبة، وبين العفو الشامل المنصوص عليه في المسطرة الجنائية الذي يهم إسقاط الفعل والعقوبة معا، وقد كانت هذه «التخريجة» القانونية بمثابة طوق نجاة للوزير الذي اكتفى، في إطار التعقيب، بترديد كلام طبيح حرفيا.
- مرافعته، مكان الوزير، حول صعوبة إقرار إصلاحات جذرية في القضاء في الزمن المنظور، بسبب ركام القضايا ومشاريع القوانين المطروحة على النقاش، في الوقت الذي اكتفى الناصري بالتذكير بمشاريع القوانين 28 المعروضة على السلطتين التنفيذية والتشريعية بصيغتها ما قبل التحولات الكبرى التي عرفها المغرب ما بعد 20 فبراير و9 مارس، ما طرح سؤال الجدوى، بالنسبة إلى النويضي، من مشاريع قوانين تجاوزها الخطاب الملكي بتنصيصه على دسترة توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة مثلا، وتجاوزها النقاش الحالي الذي يتحدث عن نظام ملكية برلمانية وموقع وزارات السيادة داخله.
في كل هذه القضايا وغيرها، خان الوزير حس رد الفعل المناسب والتعبير عن وجهة نظر الدولة التي يمثلها في ملفات ذات حساسية مفرطة لدى المواطنين عكسها الروبورتاجان الموازيان للبرنامج، وتذمر المتدخلين ومعهم المشاهدين الذين خرجوا من «المولد بلا حمص».
يوسف الساكت