اذا كانت الرشوة من اهم النقط السوداء التي تنخر جسم جهاز العدالة, فانه يجب التمييز بين وضعيتين:
─وضعية ما يمكن نعته ب "التسول": فهاته الممارسات هي اقرب الى التسول منها الى الرشوة, وهذا ناتج بالدرجة الاولى عن كون 45 في المائة من موظفيالقطاع لا يصل دخلهم الى الفي درهم وجلهم يتقاضى اقل من ذلك بكثير. ولنا ان نتصور موظفا بمدينة كبيرة او متوسطة يتقاضى هذا المبلغ الذي لا يكفي لتسديد واجب كراء شقة فبالاحرى تلبية ضرورات الحياة من مأكل ومشرب ودراسة الابناء ووو , مجموعة من الموظفين يلجؤون الى زملائهم في العمل او الى المحامين او الى القضاة الذين يشتغلون معهم او الى المواطنين الوافدين على المحاكم قصد الاستعانة بهم على التغلب على صعوبة الحياة. درهم من هذا, قهوة او سيجارة من اخر, وجبة فطور او غذاء من طرف ثالث... هذا هو واقع حال مجموعة من الموظفين لا يختلف يومهم عن اليوم الموالي, اجر زهيد لا يلبي مستلزمات الحياة, مساعدة من الزملاء قد يجود بها اليوم وقد لا يجود. هذا الوضع يؤثر على العمل والمردودية ويجعل من تحسين دخل والوضع الاجتماعي لهؤلاء اولوية قبل التفكير في التكوين او التخييم او التخليق...
─وضعية الرشوة, وهي وضعية موظفين وسطاء في ملفات مقابل اموال طائلة تنقل وضعهم الاجتماعي من لا شيء الى كل شيء بين عشية وضحاها. وينتج عنه وضع صارخ ومتناقض بين اجرة لا تكفي لسد رمق الحياة ووضع اجتماعي راقي يوفر جميع متطلبات الحياة من فيلات وسيارات فارهة وسفريات منتظمة الى الخارجومستوى عيش لا يحلم به من هم في وضعية متقدمة جدا.
الا ان هاتان الوضعيتان لا تنطبقان على كل الموظفين, فهناك من يلجأ الى القيام بأعمال اخرى خارج اوقات العمل لرفع اجرتهم لتفادي مد اليد او التعاطي للرشوة, ومنهم من غادر هذا البؤس وترك وظيفته متوجها الى الخارج او الى عمل يلبي حدا ادنى من الحاجيات كما يلاحظ هروب اعداد كبيرة من العاملين بهذا القطاع في اتجاه قطاعات اخرى سواء بالقطاع العام: وزارة المالية, القضاء الاداري او العادي, المجلس الاعلى للحسابات, التعليم او القطاع الخاص او مهن المحاماة, التوثيق....وعدد من الموظفين فضل وضع حد لحياته هروبا من الواقع المذل.