على خطى تونس... حتمية الديمقراطية في المغرب
محمد مصباح
Wednesday, January 26, 2011
حتمية الديمقراطية وحتمية اندحار الاستبداد، هذه هي الخلاصة الأساسية التي يمكن استفادتها من الثورة العظيمة التي خاضها الشعب التونسي ضد النظام الاستبدادي لحزب التجمع الدستوري لبنعلي، وأبرزت أن شعوب المنطقة تتوق إلى الحرية والتعددية والديمقراطية.
لقد فشل نموذج التنمية مقابل التضحية بالحرية، وسقطت معه مقولة أن الشعوب إذا تم توفير الأكل والشرب لها، ستكون راضية وقابلة بالوضع الحالي، بل بالعكس، فمؤشرات التنمية البشرية في تونس مرتفعة مقارنة مع باقي دول منطقة شمال إفريقيا، سواء تعلق الأمر بالصحة أو الدخل أو التعليم، ولهذا فالقضية أعمق من قضية الخبز –بالرغم من أهميته- ولكن الشعب التونسي كغيره من شعوب المنطقة يفضل الديمقراطية والحرية مع ضيق ذات اليد، على الرخاء في ظل الإستبداد.
بالنسبة للمغرب، ما زال الأمر يراوح مكانه، بحيث أن عمق النظام السياسي المغربي لم يستطع –للأسف – أن يتحول في اتجاه الديمقراطية، وهو ما برز بشكل واضح من خلال فشل مشروع "الإنتقال الديمقراطي" وإقباره، وبروز ارتدادات لا-ديمقراطية لصالح "أحزاب السلطة" باعتبارها جماعات وظيفية لمواجهة الحركات الاجتماعية ذات العمق الشعبي التي يمكن أن تهدد مصالح النخب الحاكمة، والتعسفات التي تمارسها الإدارة المغربية لصالح طرف ضد طرف آخر.
هذا الوضع يجعل سؤال"وماذا بعد؟ لن تتغير الأمور" مشروعة.
هذا الوضع في الحقيقة، تعبير عن إرادة تكريس الأمر الواقع وإرادة من اجل جعل الناس تفقد الثقة في أي التغيير، وإيمان بحتمية الإستبداد. وهو أمر إذا قدر له أن يصبح شائعا داخل المجتمع، يمكن أن يكون تهديدا حقيقيا للاستقرار ومؤشر على ضمور المجتمع، أو بتعبير ابن خلدون، "مؤذن بخراب العمران"، وهو ما ستكون تكلفته المادية والنفسية مرتفعة سواء بالنسبة للمجتمع أو الدولة.
فالمعطيات المتوفرة حاليا حول الثقة في المؤسسات الاجتماعية في المغرب، تبرز أن المغاربة لديهم مشاكل حقيقية في الثقة بمؤسساتهم، بحيث أن المؤشرات المتعلقة بهذا الموضوع تبرز بأن الثقة في المؤسسات متدنية جدا.
فقد توصلت النتائج الميدانية التي توصلت إليها دراسة أعدها معهد غالوب سنة 2010، إلى أن ثقة المغاربة في المؤسسات هي في المحك، فهي لم تتجاوز 34 في المائة بالنسبة للنظام الصحي، 42 في المائة بالنسبة للإعلام، 46 في المائة بالنسبة للنظام العدلي والمحاكم، 50 في المائة للمؤسسات الاقتصادية، 60 في المائة للحكومة، 79 في المائة للمؤسسة العسكرية، في حين أن الثقة في المؤسسة الدينية هي الأكثر ارتفاعا بحيث وصلت إلى على حوالي 85 في المائة.
الثقة في المؤسسات الإجتماعية
المصدر: إعداد الباحث (بناء على معطيات worldview.gallup.com)
إن عدم الثقة في التغيير، وإحساس المواطن بأن صوته لا يفيد، توفر البيئة الملائمة التي تنموا فيها التيارات المتطرفة –الدينية واللادينية، والتيارات العدمية واللامبالاة، مما يجعل الحاجة ملحة إلى التفكير في آثار ذلك على الدولة والمجتمع.
إن السيناريو الأسوأ هو استمرار تزوير إرادة الشعوب وعدم الإنسجام بين تطلعات الشعب والنخب التي تحكمه واستمرار اتساع الفجوة النفسية التي تفصل بينهما، مما يجعل أي مشروع تنموي من دون إشراك حقيقي لكل القوى الإجتماعية في عملية الإصلاح، يعني فقط تمديد عمر الفشل في تحقيق التنمية.
فهل الإنتقال نحو الديمقراطية ممكن؟
أم أن استمرار اللاديمقراطية هو قدر شعوب المنطقة؟
إن الديمقراطية لا تعني فقط تنظيم الإنتخابات، أو فوز حزب معين أو تشكيل حكومة. إنها في العمق المشاركة في التسيير والمراقبة، والإحساس بالمسؤولية المشتركة ووحدة المصير، وبأن كل فرد في المجتمع هو على قدم المساواة مع الجميع، بغض النظر عن وضعه الإجتماعي أو الإقتصادي، وبأن جميع من يمارس الفعل السياسي يجب أن يكون تحت المراقبة، وأن لا يفلت أحد من العقاب كيفما كان. فعندما يحس المغربي بأنه "إنسان"، ويعامل بطريقة إنسانية في جميع المؤسسات مثله مثل باقي الأشخاص، وعندما يحس بأن مسؤوليه الذين يسيرون أموره الحياتية، هم في آخر المطاف يعبرون عن تطلعاته وعن رغباته. في تلك اللحظة يمكن الحديث عن الديمقراطية.
وهنا يمكن طرح السؤال بالطريقة المعكوسة. ما هي تكلفة اللاديمقراطية؟. فهل يمكن تحقيق تنمية حقيقة من دون توفر على ديمقراطية حقيقية؟
إن المجتمع المغربي، بما يمتلكه من إمكانات بشرية، وتجارب تاريخية، وفرص مستقلبية مفتوحة أمامه يمكنه حتما إبداع نموذج "مغربي" متميز، من خلال استثمار الخزان الثقافي الكامن في الثقافة المغربية الأصيلة، مثل "الجماعة" و"آيت الربعين" وغيرها من المؤسسات المغربية التي كانت تمارس نوعا من "الديمقراطية المحلية"، وكانت وحدة قائمة بذاتها وتدبر أمورها إنطلاقا من نسق قيمي وثقافي محلي، سمح لها بتدبير التناقضات الداخلية بطريقة ديمقراطية.
إلا أن استيراد نموذج الدولة الحديثة في صيغته اليعقوبية المركزية، وتطبيقها بشكل فج في المغرب ساهم في تفكيك البنيات التقليدية للمجتمع المغربي، وغير وظائفها، وهمش دورها في الفعل، نتج عنه فراغ في التأطير وعطل الأدوات التقليدية لإنتاج النخب وصناعة القرار، وهذا كان له دور سلبي في المشاركة، باعتبار أن عملية انتاج النخب لم تفرز من أسفل إلى أعلى، بل على العكس، فرضت من أعلى إلى أسفل.
يبدو أن المسار الحالي، على المستوى القريب –على الأقل- يبرز استمرارية النموذج الأوليغارشي (تزواج السلطة والمال) في الحكم، وبأن الأفق القريب سيكرس نفس الوضعية السلطوية، وهو أمر ينبغي الإستفادة منه، قصد الإنتقال على مرحلة الديمقراطية، باعتبار أن التجارب السلبية للمجتمعات غالبا ما تؤدي إلى الاستفادة من الأخطاء، وبناء تجارب ناجحة عليها.
فقد اعتبر بعض الباحثين بأن الميثاق المؤسس للأمم المتحدة سنة 1945 تأسس كردة فعل على التجارب المأساوية التي عاشها العام عقب الحرب العالمية الثانية، كما أن بعض الباحثين" يربط بين انتشار ثقافة حقوق الإنسان وبين التجارب السلبية التي عاشها المجتمعات البشرية في العالم. فقد قام هانس جواس في دراسة له حول بروز ثقافة حقوق الإنسان في العالم، إلى أن رفض النازية والفاشية أثرت في مسودات التي سبقت إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، فبالنسبة لهذا الباحث تعتبر التجربة النازية والحرب العالمية الثانية "الأسس الإبستيمية" لهذا الإعلان.
السيناريو المصري أم التركي؟
انطلاقا مما سبق، يبقى احتمال وجود سناريوهين في هذا السياق:
السيناريو الأول، يبرز من خلال هيمنة حزب الدولة على السلطة وإعادة نسخ التجربة المصرية، التي تقوم فيها الدولة بصناعة حزب سياسي مدعوم من طرف نخبة ممن لهم مصالح اقتصادية ورمزية، ويحصل على 99 في المائة من الأصوات.
السناريو الثاني يبرز من خلال النموذج التركي، الذي استطاع تحقيق قدر مهم من الديمقراطية ساهمت في نقل تركيا إلى خانة الدول الفاعلة، وذلك من خلال الإنفتاح الإقتصادي والسياسي على المحيط، والعمل على تحقيق تنمية متوازنة، استفادت منها جميع الفئات الإجتماعية، وقد كانت آخر فصول هذه المعركة من أجل الديمقراطية، الإستفتاء الذي تم على الدستور، والذي قلص بشكل واضح صلاحيات الجيش وأعطى صلاحيات أوسع للحكومة التي انتخبها الشعب والتي هي المسئولة أمامه.
إن المغرب مفتوح على أحد هذين السناريوهين (المصري أو التركي)، وهو معتمد بالأساس على مواقف ونضج النخب السياسية في المغرب، وصدق إرادتها في تحقيق الديمقراطية، لأن شرط الديمقراطية أساسي للتنمية.
فلا تنمية حقيقية بدون ديمقراطية.