هل فعلا إن قرار الزيادة في الأجور يوجد بيد الحكومة ؟
أولا و قبل محاولتنا الجواب على هذا السؤال لابد أن نقف عند بعض الملاحظات الجوهرية :
إن إعداد القانون المالي ( الميزانية العامة ) تتحكم فيه عدة اعتبارات – اكراهات – مرتبطة بالظرفية الاقتصادية الدولية و توجيهات المؤسسات المالية الدولية المانحة من جهة ، و بحجم الناتج القومي الداخلي بشكل عام من جهة أخرى.
و هكذا فان من يتحكم فعليا في فرض اختيارات معينة من خلال القانون المالي ، باعتباره أهم وسليه بيد الحكومة لتجسيد برامجها التنموية الاقتصادية و الاجتماعية ، هو توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين و باقي المؤسسات المانحة حيث تكون الحكومة ملزمة بتطبيق تعليمات هذه المؤسسات المالية لان القروض " المساعدات " تكون دائما مشروطة ، حتى تضمن المؤسسات المذكورة استرداد قروضها. ونتيجة ذلك نجد أن الدولة توجه جل اهتمامها إلى الجانب الاستثماري تحت ذريعة خلق فرص الشغل أو الحفاظ عليها، و يتجسد ذلك من خلال الاعتمادات المهمة المرصودة ، سواء كانت استثمارات مباشرة أو غير مباشرة (الاوراش الكبرى ، البنيات التحتية، المساعدات و الدعم المالي لبعض المقاولات، التسهيلات و الإعفاءات الضريبية السخية، تعبئة الموارد المالية و كذا الوعاء العقاري للدولة لفائدة المستثمرين المحليين و الأجانب..).
في المقابل نسجل تخلي الدولة عن القطاعات الاجتماعية سواء من خلال ضعف مخصصات الميزانية العامة لها أو من خلال تفويتها إلى القطاع الخاص؛ مما يكرس الاختيارات الليبرالية للدولة الرامية إلى اغناء الغني و تفقير الفقير.
في ظل هذه الشروط و التوجهات يأتي رفض الحكومة الزيادة في أجور موظفي الدولة حيث تجد نفسها مكتوفة الأيدي أمام توصيات المؤسسات المالية . إلا أن الحكومة بنهجها سياسة تفقير فئة الموظفين إنما تفتح على نفسها باب الجحيم بالإضافة إلى التداعيات الخطيرة التي تنطوي عليها هذه السياسة.
و لنا عودة ان شاء الله للحديث عن هذه التداعيات.