منشور في
http://www.marayapress.net/index.php?act=press&id=5590
http://www.ksarsouk.com/news229.html
إن تحليل العمل النقابي من منظور اليمين, يستدعي التمييزبين مكونات ثلاث أساسية لليمين ألا وهي: الأحزاب الإدارية, الأحزاب الليبراليةوالأحزاب التي كانت محسوبة على قوى اليسار قبل أن تتطابق مصالحها وتتشابك مع مصالحالطبقة الحاكمة. هذا التصنيف يبقى ناقصا نظرا للفوارق والاختلافات الكبيرةالموجودة داخل كل قطب منها, ولكنه يعطي على الأقل فكرة عن فهم كيفية تعاطي هذهالتوجهات للعمل النقابي.
أ_ العمل النقابي لدى الأحزاب الإدارية:
إن اغلب هذه الأحزاب هي نتاج صنع الإدارة لتلميع صورتهاومضايقة القوى الوطنية والتقدمية في الميدان السياسي والاجتماعي. وهذا الصنع يكونفي غالب الأحيان غداة الانتخابات التشريعية والجماعية. ومن غريب الصدف أن أحزاباكهاته والتي يتم طبخها في كواليس وزارة الداخلية ثلاثة أو أربعة اشهر قبلالانتخابات, ليفاجأ الجميع باحتلالها للصف الأول وبأغلبية مريحة دائما معتمدة فيذلك على طاقم الشيوخ والمقدمين والقواد الذين يوفرون كل الدعم اللوجيستيكي الضروريومعه الضغط اللازم على بعض المعارضين وصولا إلى التزوير المباشر إن لم توفق الطرقالأخرى.
لقد كان اهتمام هاته الأحزاب متجها إلى ما اصطلح عليةجمعيات السهول والوديان المدعمة من الدولة والمؤسسة من طرف مقربين منها أو من طرفابرز رجالاتها. واستغلت إمكانياتها للتقرب من بعض السكان والقيام بأعمال اجتماعية هياقرب إلى الصدقة والإذلال منها إلى تلبية حقوق المواطن في عيش كريم ولائق.
ان مجموعة من المتغيرات وعلى رأسها مدونة الشغل, دفعبالعديد من هذه الأحزاب إلى خلق بوتيكات نقابية تابعة للحزب وتعطي شرعية لتمثيليةمشوهة للعمال, حيث يصبح المستغل (بكسر غ) وممثل المستغل (بفتح غ) وجهان لعملة واحدةيستحيل معه خوض أي شكل نضالي من أجل تحسين الوضعية المادية والمعنوية للطبقة العاملة.
نفس المنحى ستأخذهمجموعة من الوزارات عبر خلق نقابات موالية يتم ارشاء قيادتها ماديا أو بمناصب فيالمسؤولية... لتبقي القاعدة في منأى عن الصراعات الجارية في المجتمع وعن المطالبالملحة للعمال وعموم الشغيلة.
الا أنه, ورغم كل هذا الدعم الذي تتلقاه هذه الأحزابوبوتيكاتها, فان تأثيرها على ساحة المطالب الاجتماعية واستقطابها للموظفينوالعمال, يبقى هزيلا جدا. كما أن قدرتها على تكسير الاحتجاجات شبه منعدم في غالبيةالإدارات والمعامل والضيعات لكون الواقع المادي يحتم على العمال والفلاحينوالموظفين مسايرة الطروحات الأقرب الى وضعيتهم ومحاولة تحسين شروط عملهم.
ب_ العمل النقابي لدى الأحزاب الليبرالية:
إن منطق الليبرالية ينبني على المقولة الصريحة دعه يعمل دعهيسير, هذا المنطق الذي تترتب عليه خلاصات أهمها أن الاستغلال لا حدود له, وانالمهم هو الربح الذي يحصل عليه الرأسمالي من عملية الإنتاج دون مراعاة شروط العملوالعمال وكذا وضعهم المادي ومتطلباتهم الاجتماعية.
ان الحديث عن الأحزاب الليبرالية بالمغرب فيه كثير منالتجني على الفكر الليبرالي وطبقته الاقتصادية والسياسية. حيث ولد هذا الفكر فيمخاض عسير ضد النظام الإقطاعي المدعوم من طرف الكنيسة. وقد نتج عنه دولة رأسماليةتقودها طبقة من الرأسماليين, انتقلت بفعل الاحتكار والمضاربات وتوسع الأسواق إلى إمبريالية.
إن أحزابنا المسماة تجاوزا ليبرالية تفتقر لكل شيء, فهيفقيرة فكريا وسياسيا. إلا أنها تجد ضالتها في اتباع والانصياع لتوجهات الدولة التيتحميها وتمدها بمقومات الوجود سياسيا, اقتصاديا وفكريا.
فتبني الليبرالية لديها لا تعدو أن تكون مسايرة للدولةوللمؤسسات المالية الدولية في توجهاتها واقتسام ثروات البلاد بطرق شتى.
هاته الأحزاب وفي تناقض مع منطق الليبرالية أيضا, خلقتبوتيكات خاصة يحسب منخرطوها على رؤوس الأصابع وتستعمل في غالب الأحيان للتسويقالخارجي ما دامت فاقدة لكل شرعية داخلية, شرعية التكوين والتأسيس كانت أم شرعيةالنضال والبرنامج.
ت_ العمل النقابي لدى الأحزاب التي كانت محسوبة على قوىاليسار:
إن مناقشة هذا الصنف من الأحزاب والنقابات التابعة لها لهومن الصعب بما كان, حيث نجد من بينها من أعطى انطلاقة العمل النقابي في قطاعات مهمةبل منها من كان السباق إلى تأسيس الفعل النقابي عامة. كما أن قضية الانتقال من اليسارإلى اليمين ليست دائمة شاملة وعامة, حيث نجد من بين اغلب منخرطي هذه الأحزاب والنقابات مناضلين مبدئيين ذاقوا كل أساليب القمع والاضطهاد وهم على مبادئهمصامدين كما أن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي لا يسمح لهم بمعانقة خيارات الدولةوالدوائر الامبريالية.
إن هاته الأحزاب تشارك في الحكومة اما من منطلق الأقلية او الأغلبية,بل ان فيها من هو على رأس الحكومة,كما هو الشأن بالنسبة لحزب الاستقلال رغم الوضعالخاص لهذا الحزب, وضع يجعله اقرب إلى أحزاب اليمين منه إلى أحزاب اليسار. وقبله بسنواتكان اليوسفي على رأس الحكومة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية معا.
إن مشاركة هاته الأحزاب جاء في إطار ما يسمى بالتناوب/الإشراك في الحكم الذي نهجه الراحل الحسن الثاني تحت مبرر السكتة القلبية التيكانت تتهدد المغرب والذي كان في الواقع تمهيدا وتوفيرا لشروط الانتقال السلمي للسلطة من الملك الراحل إلى الملك محمد السادس.
لقد تم التهيء مبكرا لهذا الإشراك عبر محاولة تحييدالنقابات في الصراع كونها الذرع الحصين الذي تعتمد عليه الأحزاب في مفاوضاتهاومناوراتها, وفي هذا الإطار يندرج اتفاق فاتح غشت لسنة 1996.
لقد تبين لاحقا أن الأحزاب المنخرطة في التناوب يجب أن تتخذخطوات طيبة اتجاه الدولة عبر محاولة تجميد الملفات المطلبية ومحاصرة تحرك النقاباتعبر خلق بيروقراطية مرتبطة مصلحيا بتوجهات الحكومة, وحين يستحيل ذلك, فتقسيمالنقابات وتمييع النضال يبقى الحل الأنجع في رأي مهندسي اللعبة.
إلا أن الأمور لا تسير دائما كما يخطط لها, حيث رغمالمؤامرات والمضايقات والتمييع, لم تستطع الأحزاب الحكومية الجديدة ونقاباتهاتوفير السلم الاجتماعي الذي كان شرطا أساسيا أو هدفا محوريا للتناوب.
فرغم التراجع الذي عرفه العمل النقابي في فترات معينة نتيجةفقدان الثقة في أصدقاء الأمس وضرورة إعادة بناء وهيكلة ما دمرته حرب المغادرة إلىالضفة الأخرى, فقد بدأ يعود بقوة نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة والتي تحاولالدولة وموظفوها الحكوميون تصريفها على كاهل العمال والفلاحين والموظفين وسائرالطبقات الشعبية. هذا المعطى, دفع بالوزراء الجدد وأصحاب المصالح والمعامل والشركات والضيعات إلى استعمال جل الوسائل الممكنة والغير ممكنة قصد خلق بوتيكات أخرىتتمتع بخاصية تنضاف إلى المال والجاه, ألا وهو قيادة معارك نضالية وهمية في عديدمن القطاعات كما هو الشأن في وزارة العدل مع النقابة الديموقراطية للعدل وصانعهاالراحل محمد بوزوبع, وقد استطاعت الوزارة والحكومة تمرير قانون 2008 الذي صيغكنموذج لقانون الوظيفة العمومية الذي تصدت له النقابات ويكرس تراجعات خطيرة, هذا بمباركة من هذه النقابة حيث نجد في بلاغها الصادر بتاريخ 29 فبراير 2008:
"التأم المكتب الوطني للنقابة الديموقراطية للعدلالعضو بالفدرالية الديموقراطية للشغل في اجتماع له يوم الجمعة 02.29. 2008 بالرباطللوقوف على تطورات الوضع الاجتماعي بالقطاع ومتابعة نتائج جلسة الحوار القطاعيالأخيرة, وكذا تدارس بعض القضايا التنظيمية, والمكتب الوطني إذ يؤكد على أولويةالحوار المنتج ضمن أجندتنا النضالية يسجل ما يلي:
أولا: تلقيه بارتياح مصادقة المجلس الحكومي على مشروعيمرسوم المرتبط اولهما بالقانون الأساسي لكتابة الضبط والثاني المتعلق بتعويضاتالحساب الخاص, وإذ يهنئ مناضلات ومناضلي إطارنا النقابي على هذا المكتسب, يجدداعتزازه بصمودهم ويؤكد لهم من جديد على تجند النقابة الديموقراطية للعدل الدائم لخدمتهم بعيدا عن أساليب التضليل والمراوغة والنفخ في المعطيات وهي الأساليب التيسبق وان قرفت منها قواعدنا في تجارب سابقة..."
وللتغطية على هذه الجريمة النكراء في حق الموظفين, ختمالبلاغ بمغازلة نساء العدل وخلق حدث يلهي الجميع عن المؤامرة حيث أورد:
" ولم يفت المكتب الوطني استحضار اليوم العالميللمرأة, واذ نقف على ضفاف عطاء المرأة العدلية الممتد في الزمان والمكان, وصمودهاالمتميز ان في معاركنا الوطنية عموما او في ما تعرضت وتتعرض له من مضايقات بشكلخاص, لا نملك الا ان نقبل جباهكن وننحني لشموخكن المتواضع ولتواضعكن الجميل,مقدمين باسمنا واسم كافة مناضلي النقابة الديموقراطية للعدل احر التهاني بهذهالمناسبة, ودمتن بسمة تكسر وجوم المحاكم, وندعو في هذا الصدد كافة المكاتب المحليةلنقابتنا الى الاحتفاء بنساء العدل يوم 07.03.2008 بما يليق بمكانتهن وعطائهن,وذلك عبر توزيع الورود وبطاقات التهنئة بمناسبة عيدهن الاممي جاعلين من هذاالاحتفاء احتفالا بامهاتنا واخواتنا وزوجاتنا وكل النساء"
فغذا الجميع يبحث عن الورود, لكن للأسف كانت أول وآخرالورود التي تسلمتها نساء العدل, وتسلمن معه قانونا اضطرهن للانتظار سنوات طوالقصد تحسين وضعهن المادي والمعنوي...
الدعوة الى البعد عن أساليب التضليل والمراوغة ما هو إلاتطمين للقواعد ولفت نظرها عن التضليل والمراوغة التي تهيئها هاته النقابة, حيث انهبعد صدور القانون الأساسي لكتابة الضبط الذي تبنته ودافعت عنه وبشرت بالمصادقةعليه, ونظرا للضرر الكبير الذي لحق الموظفين جراءه, فقد حاولت التبرأ منه وانقلبتبسرعة قياسية وأعلنت في بلاغ للمكتب الوطني بتاريخ 30_08_2008 ما يلي:
"عقد المكتب الوطني للنقابة الديموقراطية للعدل العضوبالفدرالية الديموقراطية للشغل أولى اجتماعاته للموسم الاجتماعي الحالي وذلك يومالسبت 30_08_2008 بالرباط, وبعد وقوفه على العناوين الأساسية المميزة للدخولالاجتماعي الحالي والتي يظل أبرزها الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش وصدور نصيالقانون الأساسي لكتابة الضبط ونظام التعويضات بالجريدة الرسمية...يسجل ما يلي:
...
ثالثا يسجل رفضه المطلق لنص القانون الأساسي لكتابة الضبطوالذي يعد تراجعا خطيرا يقتل آمال شغيلة العدل في العيش الكريم..."
فبعد ستة اشهر, نشعر وكأننا أمام نقابتين مختلفتين واحدةحكومية والثانية يسارية. هذا هو المنحى الذي أصبحت عليه الممارسة النقابية لهذهالأحزاب والنقابات, فلا هي تستطيع النضال الى جانب المقهورين نظرا لالتزاماتهاالسياسية واستفادتها الأكيدة, ولا هي مسموح لها بترك مكانها فارغا فتملأه قوىمناضلة تربك الحسابات الحكومية الرامية الى تمرير مخططات الدولة والقوىالامبريالية.
وبالطبع ستجد النقابة مخرجا والتواء ودغدغة لعواطف الموظفينلتبرير ما حصل وإلقاء اللوم على الحكومة بكونها غيرت ما تم الاتفاق عليه. وهذا أيضامردود على النقابة كون القانون الذي دافعت عنه وأشهرته في موقعها الالكترونيويتوفر الموظفون على نسخ بتاريخه وقامت بتعليقه في السبورات النقابية, هو نفسهالذي صدر بالجريدة الرسمية.
نفس الشيء نجده على مستوى المركزيات أو على المستوى العام وذلكعبر خوض اضرابات عامة في القطاع العام مع استثناء للقطاع الخاص الذي توحد خسائرهوأرباحه جل المتدخلين الجدد في هاته المسرحيات النضالية. وقد تتخذ المسرحية بعداكاريكاتوريا ممسوخا كما هو الشأن حينما تصدى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب للإضرابالعام الذي أعلنت عنه الكونفدرالية الديموقراطية للشغل عبر إعلانه يوم الإضراب يومعمل وتعبئة جميع وسائل الإعلام والجيوش المهيجة لكسر الإضراب.
ان هذا الوضع الجديد, وضع المسير والمعارض, وضعالمالك والمملوك, وضع الجلاد والضحية, وضع التهييج والتوجيه نحو الإخفاق, وضعتمييع جميع المفاهيم والصيغ النضالية... يعبر عنه بكل سخرية حزب الاستقلال. فعباسالفاسي وزير أول, وحميد شباط كاتب عام الاتحاد العام للشغالين بالمغرب, وهو أيضاعضو المكتب التنفيذي لحزب الاستقلال, بالإضافة إلى منصب عمدة مدينة فاس ووو, شاركفي اضراب عام في الوظيفة العمومية يوم 3 نونبر 2010, وبرمج إضرابا عاما في 14دجنبر 2010 إحياء لذكرى 14 دجنبر 1990..., كما تعبر عنه جل الأحزاب الملتحقةبالتسيير الحكومي, لكن بدرجات أقل.
وإذا علمنا أن ثلة من مسيري هاته الأحزاب والنقابات همرأسماليون وإقطاعيون وناهبو أموال عامة ومتملصون من أداء واجباتهم وعلى رأسهاالضرائب, ويملكون العديد من المصانع والمعامل ويمارسون أبشع طرق الاستغلالوالتحايل على القانون ومنهم من شرد الفلاحين والعمال وجوعهم, نعرف حجم الضرر الذيلحق العمل النقابي, ونفهم أن استمرارهم في ممارسة بعض التسخينات النضالية ما هوإلا من باب الخوف من قوة العدو الذي يملأ الفراغ وان الهدف من كل هذا هو إحباطوتيئيس المنخرطين والمناضلين والمتعاطفين الذي رأوا من تجربتهم نعم المنطلق ويئسالمصير.
ان القاسم المشترك ببين العمل النقابي لدى الأحزاب الإداريةوالأحزاب الليبرالية والأحزاب التي كانت محسوبة على قوى اليسار هو غياب المبادئ الأساسيةالمؤطرة للعمل النقابي: الجماهيرية, الديموقراطية, الاستقلالية والتقدمية.
فجماهيريتها تعني موتها مادامت الجماهير ترزح تحت نيرالاستغلال وتبحث عن فرصة للتخلص منه, والشيء نفسه بالنسبة لديموقراطيتها. كما أنتبعية هاته النقابات للأحزاب السياسية التي خلقتها قصد استعمالها لأغراض سياسية محضةتخص خلق توازنات معينة أو بحث عن مواقع داخل الحكومة أو الزج بها في صراعات داخليةتخص الحزب, يجعل استقلاليتها في مهب الريح.
وتبقى التقدمية الغائب الأكبر والذي لا يمكن التحايل عليه,فمن يطبق المخططات التصفوية للدولة وللمؤسسات المالية الأجنبية, ويساهم في إفقارالطبقات الشعبية وتضليلها لتأبيد السيطرة الطبقية, لا يمكن أن يكون تقدميا.