عبد الله الدامون
يقول حزب الاستقلال إن صلاح الدين مزوار وقع لنفسه شيكا بمبلغ 250 مليونا قبل أن يغادر الحكومة، ومزوار يقول إنه إذا لم «يحْشم» عباس الفاسي فسيكشف ملفات فساده للعالمين.
في هذا وذاك، يعرف المغاربة الآن أن شخصين مهمين جدا، وزعيمي حزبين يقال إنهما كبيران، يتراشقان بتهم الفساد، وهذا شيء على قدر كبير من الخطورة.
صلاح الدين مزوار هو «زعيم» حزبي كان مرشحا لكي يقود الحكومة المقبلة، لو لم يتم قلب عربة البوعزيزي، وعباس الفاسي كان هو الوزير الأول، وكل واحد منهما يقول إنه يتوفر على ملفات فساد الطرف الآخر.
أقل ما ينتظره المغاربة هذه الأيام هو أن يتم استدعاء الرجلين معا للتحقيق، لأنه إذا كان مزوار قد وقع لنفسه شيكا فيجب محاكمته، وإذا كان عباس فاسدا فيجب محاكمته، وإذا كان الاثنان فاسدين فيجب أن يدخلا السجن، وإذا كانا معا بريئين فيجب على الشعب أن يدخل مستشفى المجانين.
النيابة العامة، التي تنتظر هفوات الصحافيين أو تعبيرهم عن آرائهم لكي تفتح معهم تحقيقات أو ترسلهم إلى السجن، يجب أن تتحرك لكي تفعل ما يفرضه القانون مع عباس ومزوار، وإلا فإن يأس المغاربة سيزداد استفحالا، فلا يعقل أن يُترك الفساد حرا طليقا بينما يتم قطع أصابع الصحافة.. هذا سلوك خطير جدا.
وفي انتظار أن يتم فتح تحقيق، فإن تسلية المغاربة مستمرة هذه الأيام مع الوزراء الذين سيذهبون والوزراء الذين سيأتون.. فالوزير المغادر منصف بلخياط، قرر أن يرَقـِّي فجأة كاتبته الخاصة قبل أن يرحل، ربما لأنه يعرف جيدا أن الكاتبات في الوزارات أهم بكثير من الوزراء، لذلك يريد أن يـُبقي في الوزارة حائطا صلبا يستند إليه أيام الشدة؛ كما أن هذا الوزير هو نفسه الذي صنع الحدث قبل بضعة أشهر بسيارته «الآودي» التي اكتراها بسعر يفوق ثمنها.
وزير الخارجية، الطيب الفاسي الفهري، بدوره سرق الأضواء خلال مرحلة استوزاره، أولا بسبب ابنه المدلل، إبراهيم، الذي منحه معهد «أماديوس»، الذي يستدعي من خلاله كل عام شخصيات مثيرة للجدل إلى طنجة، أشهرها تسيبي ليفني ومجرمو حرب آخرون؛ وأيضا لأن هذا الوزير شوهد قبل ضعة أيام يتحرك في نيويورك بسيارة يقارب سعرها 200 مليون سنتيم؛ وهو فوق هذا وذاك مرشح لمنصب مهم في المستقبل.. لا عجب في كل هذا، فالرجل سليل عائلة تتوارث الوزارات والمناصب. في هذه البلاد لا تقـُل كان أبي.. بل قل «كان جدّي»..
هناك وزراء آخرون سيخرجون من الحكومة بالحناء في أيديهم، أي أنهم عوض أن يغادروا السلطة فإنهم سيزفـّون إليها ويقتربون منها أكثر، وأبرز مثال على ذلك الوزير ياسر الزناكي.
المغاربة، عندما يشاهدون هذا النوع من الوزراء الذين يعشقون المال والسيارات والنساء، لا بد أن يضعوا أيديهم على قلوبهم في كل مرة يتم فيها تشكيل حكومة جديدة، لأن كل وزير جديد يصبح مستقبلا وزيرا سابقا، وهو في كل الأحوال لا يرضى أن يتخلى عن امتيازاته، وأحيانا يصبح الوزير السابق أكثر قوة ونفوذا وغنى مما كان عليه عندما كان وزيرا فعليا. وكثير من الوزراء السابقين يكتبون على بطاقات الزيارة عبارة «وزير سابق»، ولا هدف لهم منها سوى الحصول على مزيد من الامتيازات، سواء المادية أو المعنوية. وربما لهذا السبب ابتهج الناس عندما سمعوا أن عبد الإله بنكيران سيشكل حكومة من 15 وزيرا.. لقد استبشروا خيرا لأنه لا يعقل أن يكون المغرب أكثر تبذيرا من إسبانيا، وهي التي تفوقنا ازدهارا بأزيد من 30 مرة، ومع ذلك عندها حكومة من 15 وزيرا، نصفهم نساء، والمعروف عن النساء المسؤولات أنهن أكثر نزاهة بكثير من نظرائهن الرجال.
لكن أمل حكومة مغربية من 15 وزيرا تبلل في اللحظات الأولى، وصار العدد أكثر من الضعف، وبعد بضع سنوات سنكون أيضا أمام جيش من الوزراء السابقين، وتستمر الدوامة إلى ما لا نهاية.
مشكلة المغرب ليست مع الفساد، لأن هذا الغول يمكن محاربته عندما تتوفر النيات الحسنة ويصبح سيف القانون فوق رؤوس الجميع، لكن مشكلة هذه البلاد هي التطبيع مع الفساد.
http://www.almassae.press.ma/node/36658