سلط الربيع العربي الضوء على الشباب.. لم يعد الشباب الآن كمـّا مهملا، بل أصبح يقدم باعتباره أمل الأمة. دعونا نقول إنه يجسد مستقبل ومصير البلاد، وإنه يشكل بديلا ذا مصداقية
لنسق مغرق بديناصورات متراخية وغير مستعدة للتخلي عن التقاليد السلطوية التي شبت وشابت عليها. ووفق بعض متتبعي شأن الحياة العامة في المغرب، فإن شعار «السلطة للشباب» يعتبر، لوحده، برنامجا، بل ثورة.
ودون أن نوغل في التفاصيل التاريخية أو ننساق وراء نقاشات بوليمية، نستهل حديثنا بالتركيز على الشعار سالف الذكر، الذي ليس على كل حال جديدا؛ فمعظم القادة العرب كانوا شبابا حين نالت الدول العربية استقلالها، غير أن هؤلاء القادة الشباب ظلوا متمسكين بالسلطة إلى أن ماتوا أو أطيح بهم بالقوة.. زين العابدين بنعلي ومحمد حسني مبارك ومعمر القذافي وصدام حسين أوْضحُ أمثلة على هذا الأمر.. كانوا في عز شبابهم حين وصلوا إلى سدة الحكم، فماذا كانت نتائج أدائهم على رأس السلطة؟ لا شيء سوى الدمار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وانتهى بهم الأمر جميعا منبوذين من طرف شعوبهم. واليوم، يبدو الشاب الدموي، الطبيب بشار الأسد، من أكثر حكام العرب عنفا وتجبرا. وفي جميع الأحوال، فقد دخل معظم القادة العرب، من الجيل السابق، التاريخ من أوسع أبوابه، وخرجوا منه عبر المجاري.
أكيد أن «الشَّيْبَ حالة غرق كبير»، مثلما يقول السياسي الفرنسي الكبير شارل دوغول، غير أن هذه القولة لا تصح إلا إذا فقدت المجتمعات حذرها وتركت القادة يدبرون شؤونها على هواهم. بتعبير آخر، العديد من الإنجازات التي حققها العالم الحديث تأتـَّت بفضل رجال متقدمين في السن.. من أخرج الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة الكبرى لسنة 1929، وأكسبها الحرب؟ إنه بدون شك روزفلت الستيني. ومن مكن بريطانيا العظمى من الانتصار على النازيين وتحقيق النصر في الحرب العالمية الثانية؟ إنه تشرشل الستيني. ومن حرر فرنسا وجعل منها القوة الصناعية الرابعة عالميا؟ إنه دوغول الذي بلغ سدة الحكم في التاسعة والستين. ومن كان وراء الازدهار الاقتصادي للصين الحديثة؟ إنه دينغ زياوبينغ حين بلغ من العمر أربعا وسبعين سنة؛ والقائمة لا تزال طويلة.
صحيح أن شعار «السلطة للشباب» عبارة جميلة، لكنه لا يعني الشيء الكثير. لا يتعلق الأمر بإبدال الصراع الطبقي لكارل ماركس بصراع بين الأجيال، فهذا نقاش لا طائل منه، وإنما يتعلق بتبين حاملي المشاريع من غيرهم ومعرفة المعارضات المضادة الحقيقية وإقامة المؤسسات القادرة على التحكم فيها وتقييم عملها.
بتعبير آخر، لن تكون هناك نتائج إيجابية بدون معارضة مضادة حقيقية وإلزامٍ باحترام حقوق الهيئة الناخبة التي منحتها ثقتها؛ فالرجال سواسية في سلوكاتهم، وإذا لم تتم مراقبتهم وإخضاعهم لليقظة الشعبية، فإنهم ينساقون بسهولة وراء التعسف والظلم؛ ولا يتأتى المنتوج ذو الجودة إلا إذا كان الطلب ملحا، كما يقول الاقتصاديون.
أخذا بعين الاعتبار هذه المعطيات، لا ينبغي أن نقفز على بعض الفراغات البيضاء، على صغرها، في المشهد السياسي المغربي لنوهم أنفسنا بالتغيير. أتمنى ألا ننتج شبابا «أداة» مثلما فعلنا سابقا مع النساء من أجل تنشيط حياة سياسية عانت كثيرا من التحكم، وفقدت كل مصداقيتها بسبب هذا النوع من الممارسات. لا ينبغي أيضا أن ينسحب الآباء من الحياة السياسية ليخلوا المجال لأنجالهم. نحن نطمح إلى بناء مجتمع ديمقراطي، لا إلى بناء مجتمع أرستقراطي. يجب أن تمنح الفرصة لجميع المغاربة لتحمل المسؤوليات، لأنه لا شيء أكثر دمارا وأقل تحملا في أي مجتمع من رؤية الآخرين يقررون مصيركم دون أن يأخذوا رأيكم.
في واقع الأمر، يحتاج المغرب إلى جميع أبنائه، ولا أهمية في ذلك للسن، إذ يمكن لكل مغربي أن يسهم في بناء المجتمع الذي نصبو إليه. وإذا كانت لكل جيل نقط قوته ومكامن ضعفه، فإنه ينبغي أن ينظر إلى الكل باعتباره مصدر قيمة مضافة. يقول مثل ألماني: «الشباب يعتقد أن أشياء كثيرة ليست صحيحة، بينما يشك المسنون في صحة أشياء كثيرة». وإذا صرف كل جيل مجهوده كما ينبغي، سنتفادى مكامن ضعف الجميع ونستفيد من عوامل قوته. إنه المغرب الذي نتمنى ميلاده ذات يوم.
إدريس بنعلي
المساء