تحية طيبة، وبعد،
كان من المقرر أن أُلقي محاضرة عمومية عن الوضع السياسي في المغرب يوم الأحد 31 يوليوز 2011 بقاعة دار الشباب في تاوريرت. وكان من المقرر أن يكون وفد عن المكتب السياسي
موجودا في المنطقة منذ يوم الجمعة 29 يوليوز، ولكن النشاط بُرمج في اليوم الموالي لعيد العرش، إذ من عادتنا ألا ننظم أنشطة حزبية عمومية في مثل هذه المناسبة، ولهذا اتـُّفق على تمديد إقامة الوفد وتجنب إقامة النشاط يوم عيد العرش.
وضع مسؤولو فرع الحزب طلبا لاستغلال قاعة دار الشباب، فحصلوا على موافقة مكتوبة من مديرها وردت بها الصيغة التالية: «بشرط موافقة السلطة المحلية». وهذه الصيغة معيبة في الأصل، إذ المطلوب قانونيا أن يقع هناك تصريح بالنشاط، وألا يقع هناك اعتراض من طرف السلطة المحلية، بدون حاجة إلى تصريح هذه السلطة علنا بموافقتها. المهم أن مسؤولي الفرع قاموا بإيداع التصريح الخاص بالسلطة المحلية، وترددوا على مقراتها أكثر من مرة، وكان كل مسؤول من مسؤولي تلك السلطة يحيلهم على مسؤول آخر، وتذرع مختلف المسؤولين بعدم تلقيهم أي جواب من السيد العامل. وبما أن النشاط لا يتطلب موافقة مسبقة، فإن عدم لجوء السلطات إلى تبليغ أعضاء الحزب بمنع مكتوب ومعلل يجعل الحق في تنظيم النشاط قائما بقوة القانون.
صبيحة يوم الأحد 31 يوليوز، جاء أحد المقدمين ليبلغ مسؤولا حزبيا محليا بأن النشاط ممنوع، وظهر بعد ذلك أن الأوامر قد صدرت ربما من السيد العامل بإقفال دار الشباب. فلم نتمكن، والحالة هذه، من تنظيم النشاط، كما أننا «حُرِمنا» من «الحق» في تلقي المنع مكتوبا، ومثل هذا «الحرمان» لا يجعل من السهل علينا اللجوء إلى المحكمة الإدارية، كما تعلمون!
السيد الوزير:
ــ ألا ترون معي، مبدئيا، أن القيام من طرفنا بكل هذه الاتصالات والمكاتبات والمساعي، من أجل تنظيم محاضرة، يعتبر تمرينا شاقا وغريبا ومنطويا على نوع من الغلو والتعسف، وهل جميع الأحزاب والجمعيات التي تنوي تنظيم مثل هذا النشاط مطالبة بتحمل كل هذه المشقة؟ هل يُعتبر ذلك وضعا طبيعيا في دولة ديمقراطية؟ ألا يعتبر تعقيد المساطر العملية نوعا من التضييق على الحقوق وحملا للناس على التخلي عنها في النهاية أو ممارستها بأقل قدر ممكن تجنبا لكل ما يحيط بممارستها من حواجز وصعوبات؟
ــ لقد أُتيح لي شخصيا الاطلاع على عشرات التبليغات التي يرسلها الولاة والعمال إلى الناس لإشعارهم بمنع المظاهرات في الشارع العام بل بمنع حتى «اللقاءات التواصلية» في الشارع العام، فإن كان يتم منع اللقاءات التواصلية مع المواطنين في الشارع العام، ثم يُمنع حزب مؤسس بصفة قانونية من اللقاء التواصلي مع المواطنين في القاعات العمومية، فأين سنضمن تحقيق لقاءات موسعة مع المواطنين المغاربة؟ هل نضرب موعدا مع هؤلاء خارج الوطن لملاقاتهم في فضاءات بلدان أخرى؟
ــ وإذا كان يمكن إهدار الحق في نشاط حزبي عمومي بهذه السهولة، فهل نستطيع القول إن التحضير للانتخابات يسير بشكل سليم؟ أليست مرحلة التحضير للانتخابات هي مرحلة النقاش العمومي بامتياز؟ وإذا كان هذا النقاش معرضا في أية لحظة لمثل ما جرى في تاوريرت، فإن هذا لا يمنحنا الاطمئنان الحقيقي إلى أن تحضير الانتخابات يجري في أجواء من الانفتاح وتكافؤ الفرص بين الفرقاء والتحفيز على عرض الأفكار والبرامج والتقييمات المختلفة.
لقد ألمح البعض إلى أن منع نشاط تاوريرت هو أول منع يأتي في ظل الدستور الجديد. وما تهمـّني إثارته معكم -سيدي الوزير- بصدد العلاقة بين هذا المنع والدستور الجديد، هو دعوتكم إلى التأمل معي في كون السيد العامل -إذا كان هو الذي منع النشاط- لم يشعر قط بأن الدستور الجديد يفرض عليه التحلي بسلوك جديد، إذ يُفترض، حسب الخطاب الرسمي، أن هذا الدستور سيفضي إلى انبثاق مغرب جديد. لماذا لم يشعر السيد العامل بأي حرج، ولم يعتبر أن منع محاضرة سياسية بعد الدستور الجديد فيه إخلال بروح هذا الدستور؟ لماذا لم يشعر السيد العامل بأن مثل هذا المنع أصبحت له، بمقتضى الدستور الجديد، تبعات وعواقب، وأن مرحلة ما بعد فاتح يوليوز تلقي على كاهل العامل التزامات جديدة وضوابط للعمل مختلفة وعقلية مغايرة؟ ــ وإذا كان المنع قد جاء نتيجة كون أفكارنا، كحزب، تزعج السيد العامل، فإننا نقترح عليه، بكل روح رياضية، أن يحضر معنا لقاء عموميا، وأن يَرُدَّ على أفكارنا وأن يتناظر معنا، ويبين للمواطنين أوجه الخطأ أو التهافت أو التناقض في تحليلاتنا، وسنكون له شاكرين.
ــ ونود أن نثير انتباهكم إلى أن الأنشطة العمومية التي نظمها الحزب الاشتراكي الموحد طوال هذه المرحلة السياسية -التي ازدادت فيها لدى الأحزاب صعوبات التواصل مع عموم المواطنين- قد تميزت بخاصيتين:
أولا، لم يقع فيها أي حادث أو مشكل ومرت في ظروف جيدة ولم تعرف أي نوع من الارتباك والاضطراب.
ثانيا، أنها عرفت حضور مختلف التيارات والحساسيات، سواء تلك التي تشاركنا ذات المواقف أو تلك التي نختلف معها، وأُتيحت للجميع فرصة المناقشة الهادئة الرصينة، واستمعنا بهدوء وإمعان إلى تدخلات الذين ينطلقون من نقد تحليلاتنا وخطابنا، واعتبرنا أن في ذلك إغناء لشروط النقاش السياسي الوطني الضروري في هذه المرحلة.
هذا، على كل حال، يجب أن يُحسب للحزب -بغض النظر عن تموقعه، وبدون أية خلفية دعائية- مع الاعتراف بأن أي أحد أو أية جهة لم تسع إلى حد الساعة إلى التشويش على الأنشطة العمومية للحزب أو المس بظروف سيرها العادي.
سيدي الوزير،
قد تباشر مصالح وزارتكم الدفع بعدم توصلها بالتصريح من طرف المسؤولين المحليين لحزبنا في تاوريرت، ولكنكم إذا توليتم شخصيًا البحث والتحري الضروري، ستلاحظون أن هؤلاء المسؤولين قاموا بهذا الإجراء، وهم على استعداد لمدكم بكل المعطيات المتعلقة بأسماء ممثلي السلطات المحلية الذين تم الاتصال بهم وتسليمهم التصريح وتواريخ الاتصالات وما دار فيها.
فرع حزبنا لم يتوصل بأي جواب أو وصل أو إشهاد يثبت القيام بإيداع التصريح، ولذلك فإذا تم الرد بأن القضية ليست قضية منع، بل قضية عدم قيام بالإجراءات القانونية، فإننا سنفضل عدم التعليق على ذلك، لأننا سنفهم آنذاك أن الرسالة الضمنية الموجهة إلينا هي أن أساليب الماضي لازالت سارية المفعول.
وتفضلوا، سيدي الوزير، بقبول أسمى عبارات التقدير وفائق آيات الاعتبار
محمد الساسي
http://www.almassae.press.ma/node/29517