درج فقهاء القانون على تقسيم القانون العام إلى قسمين: قانون عام دولي، ويتشكل من مجموع القواعد القانونية التي تنظم علاقات الدول في ما بينها أو في ما بينها وبين المنظمات الدولية؛
وقانون داخلي، ويتشكل من مجموع القواعد القانونية التي تنظم سير دواليب الدولة في ثلاثة مجالات أساسية: سياسية وإدارية ومالية.
فالمجال الأول تضبطه قواعد القانون الدستوري، والمجال الثاني تحكمه قواعد القانون الإداري، والمجال الثالث تسيره قواعد علم المالية. غير أن هذه المجالات الثلاثة ليست منفصلة، بل تتداخل في ما بينها في العديد من الحالات، فالقانون الدستوري الذي يهتم بدراسة النظام السياسي للدولة له صلات وثيقة بالقانون الإداري، ذلك أن أي نظام سياسي لا بد له من مرتكزات إدارية. ومن هذا المنطلق، تتأسس العلاقة بين القانون الدستوري والقانون الإداري الذي يهتم بدراسة النظام الإداري للدولة، وبتعبير آخر فالقانون الإداري هو القانون الذي يسعى إلى ترجمة المبادئ الدستورية في المجال الإداري، فالجماعات المحلية، مثلا، كالجماعات الحضرية والجماعات القروية ومجالس العمالات والأقاليم والجهات في المغرب، تشكل جزءا أساسيا من اهتمام القانون الإداري، ولكنها قبل ذلك مقتضيات ينص عليها الدستور، وبالتالي فهي تندرج ضمن اهتمام القانون الدستوري، بل قد نجد موضوعا مشتركا للدراسة بين القانونيين، كالسلطة التنظيمية للحكومة. والخلاصة، كما يقول الفقهاء، أن القانون الدستوري يعتبر «المقدمة الضرورية للقانون الإداري.. والقانون الإداري إنما ينشط وينمو في ساحة المبادئ الدستورية ونطاقها».
وهناك كذلك صلات وثيقة بين القانون الدستوري وعلم المالية، فإذا كان موضوع علم المالية يتحدد بدراسة الوسائل التي تحصل بها الدولة على مواردها وسبل إنفاق هذه الموارد، فإن أصول هذه الوسائل والسبل، سواء على مستوى الموارد أو النفقات، ترجع إلى القانون الدستوري باعتبارها مقتضيات منصوصا عليها في صلب الدساتير.
انقسم فقهاء القانون في تعريفهم للقانون الدستوري إلى اتجاهين:
الأول شكلي والثاني موضوعي. يعرف الاتجاه الشكلي القانون الدستوري بكونه قانونا يهتم بدراسة مجموع القواعد الصادرة عن هيئة خاصة، ويخضع تعديلها وإلغاؤها إلى إجراءات خاصة، في وثيقة تسمى الدستور أو القانون الأساسي. وداخل الاتجاه الشكلي توجد نظرتان متباينتان: فهناك نظرة شكلية صرفة، تربط القانون الدستوري بالوثيقة الدستورية بغض النظر عن طبيعة الحكم الذي تؤسسه، وهناك نظرة شكلية ذات أبعاد سياسية، لا تربط القانون الدستوري بالوثيقة الدستورية فقط، ولكن أيضا بطبيعة نظام الحكم الذي تقيمه، فأي دستور لا يعتمد الديمقراطية ولا يضع قيودا على الحاكمين ولا يمنح ضمانات للمحكومين لا يمكن أن يسمى دستورا، وبالتالي لا يمكن للقانون الدستوري أن يهتم به.
أما الاتجاه الموضوعي، فيعرف القانون الدستوري بكونه قانونا يهتم بدراسة قواعد الحكم داخل الدولة، بغض النظر عن طبيعة هذا الحكم وبصرف النظر عن وجود وثيقة دستورية من عدمه. وهذا التعريف الذي يعتمده الاتجاه الموضوعي هو المتبع حاليا من قبل أغلب الفقه الدستوري.
تباين موقف الفقهاء من طبيعة القانون الدستوري، فالمذهب الشكلي أنكر الطبيعة القانونية للقواعد الدستورية انطلاقا من عدم توفر عنصر الجزاء، فالدولة قد تخرق القواعد الدستورية وقد تعدلها حسب مشيئتها، بل وقد تلغيها، ولن يوجد أحد بمقدوره إرغامها على الامتثال لتلك القواعد أو إيقاع الجزاء جراء مخالفتها لها، في حين أقر المذهب الاجتماعي، ومن بين المنتسبين إليه الفقيه الفرنسي «Diguit»، بقانونية القواعد الدستورية، ذلك أن الجزاء لا يتخذ بالضرورة دوما شكلا ماديا، وليس موكولا دوما إلى السلطة إيقاعه، فالجزاء قد يتمثل في رد الفعل المنبعث من شعور الجماعة جراء انتهاك القواعد القانونية.
وتنقسم مصادر القانون الدستوري إلى نوعين: مصادر «رسمية» ومصادر «تفسيرية»، فالتشريع والعرف هما مصدران رسميان، أما الفقه والاجتهاد القضائي فهما مصدران تفسيريان. وسنكتفي هنا بالإشارة إلى المصادر الرسمية:
يتمثل المصدر الرسمي الأول في التشريعات الدستورية، وهي تلك القواعد التي توكل مهمة وضعها إلى هيئة خاصة، وتصدر ضمن وثيقة تسمى الدستور أو القانون الأساسي، وتكون هناك إجراءات خاصة لتعديلها أو إلغائها. ويندرج ضمن التشريعات الدستورية ما يمكن تسميته بامتدادات الدستور المتمثلة في «القوانين التنظيمية» والنظام الداخلي للبرلمان.
ويتجلى المصدر الرسمي الثاني في الأعراف الدستورية التي تثير خلافا بين فقهاء المذهب الشكلي وفقهاء المذهب الاجتماعي، ففقهاء المذهب الشكلي لا يعترفون بالعرف كمصدر رسمي للقانون الدستوري، وفي مقدمتهم الفقيه «Carré de Malberg». في حين اعتبر فقهاء المذهب الاجتماعي العرف مصدرا من مصادر القانون الدستوري.
وإذا كان العرف في القانون الخاص هو انتهاج سلوك من قبل الأفراد بشكل مطرد ومتواتر إلى درجة أضحى معها هؤلاء الأفراد يشعرون بإلزامية ذلك السلوك، فإن العرف في القانون العام، وتحديدا في القانون الدستوري، هو انتهاج ممارسات من قبل السلطات العامة، داخل الدولة بصفة مطردة ومتواترة لا يعترض عليها المجتمع وتكتسب، بالتالي، صفة الإلزام، فالأعراف الدستورية، شأنها شأن باقي الأعراف القانونية، تتأسس على ركنين: ركن مادي هو اطراد العمل بالسلوك من قبل السلطات العامة دون اعتراض من المجتمع، وركن معنوي هو شعور الجميع، حاكمين ومحكومين، بإلزامية هذا السلوك.
وتنقسم الأعراف الدستورية إلى ثلاثة أنواع: العرف المفسر والعرف المكمل والعرف المعدل، فالعرف المفسر يسعى إلى توضيح نص دستوري غامض وتفسيره، وبالتالي فإنه يكتسب نفس قوة النص الدستوري لأنه يصبح جزءا منه، بل يذهب «Duverger» إلى أن تعديل هذا العرف المفسر ينبغي أن يخضع لنفس المسطرة التي تخضع لها النصوص الدستورية المكتوبة، ومثال العرف الدستوري المفسر ما نصت عليه المادة الثالثة من دستور 1875 في فرنسا، حيث يؤمن رئيس الجمهورية تنفيذ القوانين.
فهذا النص غامض، وهنا كانت الحاجة إلى عرف مفسر، بحيث منح رئيس الجمهورية حق ممارسة السلطة التنظيمية.
ويعمل العرف المكمل على تنظيم بعض الاختصاصات التي سكت عنها الدستور، كعدم إجازة عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن به كما ورد ذلك في دستور 1875 الفرنسي. والعرف المعدل هو العرف الذي يمكن أن يدخل بعض التغييرات على بعض المقتضيات الدستورية، وهو من هذا المنطلق ينقسم إلى قسمين: عرف معدل بالإضافة، وعرف معدل بالحذف.
يسعى العرف المعدل بالإضافة، ويسمى بالعرف الإيجابي، إلى إضافة أحكام لا يتحملها تغيير النص الموجود المنظم لمسألة معينة، ومثال ذلك دستور 1875 الفرنسي بخصوص تفويض البرلمان السلطة التنفيذية في مباشرة الوظيفة التشريعية عن طريق مراسيم. ويسعى العرف المعدل بالحذف، ويسمى بالعرف السلبي، إلى إزالة نص دستوري لم يعد معمولا به، ومثال ذلك دستور 1875 الفرنسي الذي منح رئيس الجمهورية حق حل الجمعية الوطنية، ولكن هذا الحق لم يمارس منذ 1877 إلى حين إلغاء هذا الدستور سنة 1940.
محمد ضريف
Almassae