ان الموظفين سيبقون متأرجحين بين الرفض والقبول للعروض الحكومية ما لم ينفذوا الى عمق الاشياء.
سبب الحديث والموضوع هو كل ما قيل ويقال حول الاتفاق الاخير الذي وقعته ن د ع مع الحكومة. فمن قائل بالمؤامرة الى متحدث عن الذكاء الى حديث عن سوء تقدير أو تعدي على اختصاصات المجلس الوطني.
اذا لم ننفذ الى عمق الاشياء، فكل التاويلات لديها حقها من الصحة، فمن حق الموقعين ان يقولوا بان الحكومة ذاهبة الى حال سبيلها ومن حقنا ان نـاخذ شيئا لصالحنا فنحن اولا وقبل كل شيء نقابة اي يجب الحصول على شيء ما للموظف. كما انه من حق الرافض للاتفاق ان يقول بان الملف لا يحتوي على اي جديد ومن الاحسن ان يبقى معلقا ولو اقتضى الامر انتظار حكومة جديدة، فالمهم تحقيق شيء مهم وليس تلقف الفتات.
هذا هو الاطار البديهي للاتفاق وللصراع الدائر حاليا، غير ان البديهيات دائما تخفي وراءها اسرار الحياة واسرار التطور وأسرار الصراع.
ولاكتشاف هاته الاسرار، يجب الاستعانة بالتاريخ والتجارب وسبر اغوارها جملة جملة وخطوة خطوة.
لن أعود الى النقاش الى سبق ان تطرقت اليه حول الدور الذي لعبه المرحوم بوزوبع في خلق ن د ع والذي يكفي لوحده ان يكشف كل شيء لو كان الحس النقدي والمبدئية حاضرة لدى الموظف.
تتذكرون جميعا ما كان يدور قبيل سنة 2008 على مستوى الحكومة ونقاشاتها من اجل وضع نظام اساسي موحد للوظيفة العمومية. مشاريع تم التصدي لها من طرف بعض النقابات مما جعل الحومة تبدأ في تفعيل بعض المراسيم دون تطبيق النظام الجديد كالتنقيط والترقي...
قد يقول قائل، وما علاقة ما قيل بالنقابة د ع؟
سؤال مشروع، لكن سبر اغوار الاتفاق الذي تم سنة 2008 بين وزارة العدل والحكومة و ن د ع يبين بالملموس أن النظام الذي سلم لنا هو نسخة طبق الاصل لمشروع النظام الموحد الذي تعتزم الحكومة تطبيقه على جميع الادارات والوزارات أي بلغة اخرى أن ن د ع شكلت حقل تجربة للحكومة ومثال ونموذج لكل من يرغب في الحصول على نظام اساسي خاص: فننتقل من ارادة توحيد الانظمة الخاصة الى تعميم الانظمة الخاصة التي تخضع لمنطلقات النظام العام للوظيفة العمومية.
سؤال آخر يبدو طرحه مشروعا: وما علاقة ما قيل باتفاق ن د ع؟
للوهلة الاولى يبدو ان العلاقة الظاهرة والوحيدة هو بين الاطراف الموقعة والتي هي ن د ع، وزارة العدل واطراف حكومية اخرى.
لكن ما يجب الحفر للحصول عليه، يكون سهلا بقلب الاتفاق اي بقراءته من نهايته الى أوله.
فالمرحلة الحالية تطرح وبالحاح اخراج نص تنظيمي للاضراب، وقد كان موضوع محاولات عديدة لكن يتوقف في كل مرة نظرا للدمار الذي سيلحقه بالعمل النقابي. فهذا القانون ليس سوى قانون تكبيلي للاضراب أي خوض اضراب دون تأثير على مصالح الدولة والمواطنين وكذا امكاتية توقيفه من فوق اي من طرف الوزير الاول.
كل من يقرأ الاتفاق الاخير والمسرحية التي كانت قبله اي ما سمي تعويض كاتب جلسة بمواطن، يستغرب كثيرا من تتابع الاحداث والحلول التي كانت موجودة في كل لحظة والتي كاد الموظفون أن يغيروا مسار الاحداث والتنبؤات والتخطيطات حينما قرروا الاستمرار في الاعتصام ضدا على قرارات القيادة.
اذن بعد استحالة اقناع المركزيات بقانون الاضراب، ن د ع توفر الارضية الخصبة لتمريره في ظرف حساس حتى تسرع الحكومة الى تطبيقه على باقي القطاعات ليكون من آخر انجازاتها التي ستتباهى بها مستقبلا.
ان الموظف الذي لازالت تحركه ذرة غيرة على قطاع العدل والشغيلة عموما، يجب ان يطرح سؤالا هاما: لماذا ن د ع، وباحتساب جميع خطواتها النضالية من اضرابات، اعتصامات، وقفات...، هي الاولى في المغرب، ومن جانب آخر ان الويلات التي حلت بقطاع العدل والتي كانت ن د ع سببا فيها، لا تعد ولا تحصى أي كلما ناضلنا، كلما تراجعنا الى الوراء عوض التقدم؟
في سنة 2006 كانت النتيجة اتفاقا اطار يرجع الملف المطلبي الى نقطة الصفر.
في سنة 2008 كانت النتيجة تفييء الموظفين وخلق السلم 7.
في سنة 2011، حظر عملي على العمل النقابي والتزام صريح بتوفير الخدمة واستمرار المرفق ايام الاضراب.
هل يتعلق الامر اذن بمخطط عالي المستوى وما ن د ع سوى منفذ بسيط؟
هل ن د ع غبية الى هذا الحد الذي لا تنتبه لما تفعله؟
هل استفادات اعضاء ن د ع سبب الانتكاسات التي نعيشها؟
المخطط القادم هو منع العمل النقابي بقطاع العدل، فحاولوا تتبع المسار الذي سيتبعه وحاولوا اكتشاف الالعاب البهلوانية اللازمة لتحقيق المخطط.