في
جل الأنظمة الدكتاتورية التي تفرض خياراتها وممارساتها ونهبها الاقتصادي بل وجهلها
أيضا، يكون من الصعب إن لم نقل من المستحيل ظهور حركات ديمقراطية أو فكر ديمقراطي
يواجه هذا الجهل والتضليل.
وحتى
البوادر الأولى لهاته الحركة أو الفكر، تلقى معارضة شديدة بل وتعاملا صارما من قبل
الدول الدكتاتورية التي تلجأ إلى سجونها ومخافرها السرية لدفن أي صوت حر، وقد يكون
الإخراس النهائي للصوت عبر الاغتيال وسيلة فعالة أيضا.
ومن
شدة الضغط والقهر والتضليل الذي يتعرض لها الشعب والمواطنون، فالعديد منهم يكون
دائما على استعداد للقيام بأية مهمة تطلب منه، أن يحرق مواطنا آخر، يقتله، يشوه
سمعته، يسرقه، يتهمه بالفسق ويكون شاهد زور...الكل جائز والمهم هو تلقي اشارة فقط
من أحد خدام الدكتاتور الأوفياء.
ومع
تنامي الضغوطات الداخلية والخارجية من أجل الديموقراطية، والانفتاح الاقتصادي
والسياسي، عمدت مجموعة من الأنظمة الاستبدادية الى تأسيس أحزاب خاصة بها، وجمعيات
ونقابات..، هاته الهيئات الشكلية والموازية لمخافر الشرطة، وقضبان السجون، تجعل
المرء تائها بفعل التضليل الذي يتعرض له الشعب: فكم من واحد ظن نفسه منخرطا في حزب
ديموقراطي أو اسلامي او ليبرالي، او في نقابة عمالية أو مهنية مكافحة، وما هو في
الحقيقة سوى بيدق في يد الدكتاتور الذي يزين به وجهه اتجاه الخارج قبل الداخل،
ويخوض به معارك شكلية لا تغني ولا تسمن من جوع، بل بالعكس تشوش على المعارك
الحقيقية، وتجعل الشعب متفرقا بدل التجمع والتوحد في اطارات مناضلة ومكافحة.
ومن
بين اساليب الدكتاتور حين يشتد عليه الخناق من طرف حزب أو مفكرين أو مناضلين، أن
يدعو زبانيته وأعوانه وخدامه الاوفياء للقيام بجولات في الاقاليم والمدن لحشد
الدعم لمبادرة منه أو جمع توقيعات مناوئة لعدوه واظهاره في صورة المخرب الذي لا
يريد خيرا للبلد والمواطنين.
ويلعب
جهل العديد من الناس، أو خوفهم من بطش الدكتاتور الذي يتخذ اشكالا وأنواعا متعددة،
الى الانخراط في خطوة تضر بمصالحهم المستقبلية وتقتل كل وردة فكر متفتحة.
وعند
وجود معارضة في تنفيذ مخططات الدكتاتور من طرف بعض الاطراف، تتحول بدورها الى عدو
لذوذ له، حيث يرى فيها بذرة لحركة مستقبلية قد تعصف به وبمستقبله.
وفي
هاته الحال، يقرأ الدكتاتور الفعل كأنه تعاطف أو تبني للفعل الديمقراطي، وتكون
بذلك العقوبة واجبة ومفروضة على الطرفين.
فهل
يمكن اعتبار ما يجري بكتابة الضبط بميدلت صورة مصغرة لما يقوم به الدكتاتور أم فقط
مجرد تشابه في الأسماء والصور؟