كواليس اليوم: إسماعيل هاني
آخر ما كان الجميع يتوقعه، أن تتحرك الهواتف، لمنع إطار نقابي وطني من حضور برنامج تلفزيوني مخصص لمناقشة قضية إصلاح العدالة.
يتعلق الأمر باعتذار القناة الثانية عن استضافة الكاتب الوطني
للنقابة الديمقراطية للعدل، السعيدي، إلى جانب مصطفى الرميد وزير العدل
والحريات، وضيوف آخرين لمناقشة آخر مستجدات الحوار الوطني لإصلاح العدالة.
واضح جدا، أن القناة الثانية رضخت على غير العادة لضغوط
الحكومة ممثلة في الوزير الوصي على القطاع، إرضاء لوزير العدل الذي يريد
المضي قدما في إصلاح قطاع العدالة بمفهومه الخاص، دون أن ينغص عليه أحد
فهمه المطلق لمداخل الإصلاح ومتطلباته.
نحن إزاء إقصاء شريك مهم، لا مفر من إشراكه، من خلال تراجع
القناة الثانية عن توجيه الدعوة للكاتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل
لحضور برنامج مباشرة معكم.
في زمن محاربة الفساد والاستبداد، وهو شعار حكومة العدالة
والتنمية، لا أحد بات يفهم معنى الفساد الذي تحاربه الحكومة. لقد اشتكى
بنكيران رغم موقعه مرارا من القناة الثانية، واتهمها بالتحامل على أداء
حكومته، فماذا نسمي التدخل في تحديد ضيوف برنامج حواري، تقدمه القناة
لتسليط الضوء على قضايا تهم الشأن العام. سؤال موجه لرئيس الحكومة، ووزيره
في الاتصال.
وبغض النظر عن الجهة التي أجبرت القناة على إخبار السعيدي
بأنه شخص غير مرغوب فيه، فإن ما حدث لا يحتمل أكثر من تفسير واحد، وهو أن
زمن التحكم الإعلامي أضحى حقيقة للأسف، وسلاحا في يد الحكومة التي تسعى إلى
استغلال الإعلام العمومي لتمرير أجندة خاصة، مع حرمان هيئة نقابية من
التعبير عن موقفها، حتى تتضح الصورة للإعلام الوطني، والرأي العام، خاصة أن
الرميد لم يترك مناسبة إلا وحارب فيها هيئة نقابية لمجرد أنها لا تتفق مع
رؤية الوزير للإصلاح، وتتمسك بعدالة ملفها المطلبي.
في الدول الديمقراطية، يعتبر الإعلام ساحة محايدة مفتوحة
لاستقبال جميع الآراء والأفكار والهيئات السياسية والنقابية، وحتى
للأقليات، من أجل التعبير عن رأيها، فما الذي يمنع وزير العدل والحريات من
إظهار التسامح الديمقراطي مع هيئة تختلف معه، لكي تعبر عن موقفها وليتخذ
الوزير في نهاية المطاف ما شاء من قرارات، أما أن يمنع ويقرر، ويحتكر حزب
واحد المشهد برمته، فإن الخطر الذي حذر منه البعض بات حقيقة تثير الفزع، عد
سقطة القناة الثانية التي رضخت لإرضاء العدالة والتنمية على حساب القيم
الكونية للإعلام ورسالته.