http://www.sdj.ma/?p=1204السادة أعضاء اللجنة العليا للحوار الوطني
لقد سبق للنقابة الديمقراطية للعدل، العضو بالفدرالية الديمقراطية للشغل، باعتبارها إطارا تمثيليا لهيئة كتابة الضبط ، أن عبرت عن موقفها من الحوار الوطني حول منظومة العدالة بالمغرب كمبادرة ينبغي أن تشكل في شكلها و مضمونها نقلة نوعية في مسار التعاطي مع معضلة إصلاح القضاء، و أكدنا على ضرورة نهل ما هو ايجابي في تراكم الممارسة القضائية بكافة تجلياتها و الانكباب على معالجة مظاهر الخلل والقصور في نظامنا القضائي، كما طالبنا باعتماد مبادئ الديمقراطية والفعالية في تشكيل مختلف أجهزة الحوار الوطني ومن الناحية الإجرائية اختيار الهيئات المهنية والنقابية الأكثر تمثيلية بالإضافة إلى شرط الكفاءة العلمية والفنية التي تتطلبها طبيعة مهام هذه الأجهزة . وهو ذات الموقف الذي شاطرنا فيه لاحقا العديد من التمثيلات و المنظمات المهنية في قطاع العدل. ونتساءل اليوم عن جدوى الحوار في غياب الفاعلين الرئيسيين في منظومة العدالة ؟
فلا يخفى على الجميع أن من شروط نجاح المشاريع الإصلاحية التنموية و توفير سبل استمرارها واستدامتها إشراك الفاعلين والمستفيدين منها ، لكي تعبر تلك المشاريع عن الحاجيات الحقيقة والتطلعات الحيوية لهم بالإضافة إلى أن مشاركتهم تكون دافعا لحفز الطاقات وتيسير سبل تعاونها في الميدان. وعلى قدر من الأهمية نتساءل كذلك عن حضور الخبرة العلمية والتجربة المهنية المتنوعة بالشكل الذي ينفتح فيه النقاش العمومي على تعدد وجهات النظر و أن يكون مؤسسا على دراسات استكشافية دقيقة بدل الاعتماد على الصيغ الاستيهامية والأحكام الجاهزة المتسرعة البعيدة عن الموضوعية والحقيقة العلمية .
و اذا كانت وزارة العدل قد اختارت أن تباشر الحوار بالشكل القسري و التحكمي في الإعداد و التحضير و الإخراج فان هذا لا يمنعنا من التوجه، للجهة التي نرى اعتبارا لما يمنحه التعيين الملكي لها من سلطات تقديرية و تقريرية، بملاحظاتنا و انتظاراتنا في سياق تصحيح الممكن و تفادي الأسوأ، ومن هذا المنطلق نؤكد أن نجاح الحوار كفضيلة حضارية ومنهج ديمقراطي، في موضوع إصلاح منظومة العدالة في المغرب مرتبط أساسا بوضوح منطلقاته المرجعية والمنهجية أولا، وبوجود إرادة سياسية داعمة ثانيا ، وبضمان الوسائل المادية والبشرية لتنفيذ خلاصاته ثالثا .
أولا : حول مرجعية الحوار ومنهجيته
1- مرجعية الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة
لقد لفت انتباهنا في مشروع الأرضية التي أعدتها وزارة العدل إلى قصر مرجعية الإصلاح على الوثائق القانونية والسياسية الوطنية ( الدستور والخطاب الملكي والبرنامج الحكومي) بينما نرى أن الأولى أن تحدد المرجعية فيما هو كوني مشترك للإنسانية اعتبارا لان قواعد العدالة لا تعني المواطن المغربي وحده بل هي قواعد عامة ومشتركة تجد منطلقاتها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان من مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية …،و كذا التزامات المغرب المرتبطة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية كالوضع المتقدم في شراكتها مع الاتحاد الأوروبي وما تستلزمه من ملائمة التشريعات والبرامج الحكومية مع معايير حقوق الإنسان لدى هذه المنظمات .
ورغم أن الدستور المغربي يقر بالالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا إلا أننا نرى أنه من الضرورة إبراز ميزة هذه المرجعية العالمية بما لها من سمو وقوة إلزامية على القانون الداخلي ، بالإضافة إلى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة فيما ترتبط بإصلاح القضاء والتنظيم الهيكلي لوزارة العدل ومعايير المحاكمة العادلة.
كما تعتبر النقابة الديمقراطية للعدل أنه من باب الموضوعية كأساس للحوار أن ينطلق هذا الأخير من تقييم للمشاريع الإصلاحية السابقة التي بوشرت في عهد وزراء العدل السابقين قصد الاستفادة من جوانبها الإيجابية والاعتراف بها وتفادي جوانب القصور فيها وكل ذلك بهدف تحقيق التراكم المطلوب في كل سياسة عمومية.
أما من حيث أهداف الحوار الوطني حول العدالة ، فإن تحديد الأهداف يرتبط عادة بامتلاك المعطيات الواقعية والوسائل المتاحة وهي مسائل تدخل في اختصاص الحوار الوطني . ومع ذلك لا مجال للاختلاف حول الأهداف الثلاث العامة التي وردت في مشروع أرضية الحوار التي أعدتها الوزارة ، لكننا لا نسلم بربط أهداف الحوار بأهداف الإصلاح لأن هذه الأخيرة تتصل في نظرنا بالأدوار المفترضة أو المرجوة للسلطة القضائية ولا داعي للتأكيد على أن هذه الأهداف والأدوار هي من صميم عناوين الحوار وليس من الملائم تحديدها مسبقا على سبيل الحصر.ويمكننا أن نتساءل على سبيل المثال كيف لا يكون من أهداف الإصلاح القضائي المنتظر حماية الحقوق والحريات وتحصين الانتقال الديمقراطي والمساهمة في النمو الاقتصادي….؟
2- منهجية الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة
يتوقف الحوار الجاد والفعال على العديد من الشروط المنهجية من أهمها :
- طرح مشروع أرضية الحوار مفتوحة على مختلف المرجعيات و عدم وضع و لا حتى توقع نتائج مسبقة أو سقف معين للقضايا و للمواضيع المرتبطة بالحوار.
- الانفتاح على مختلف المرجعيات الفكرية والسياسية، و التعامل بالمساواة مع مختلف أطراف الحوار بعيدا عن التمييز الفئوي أو الفكري أو السياسي أو أحكام قيمة.
- اعتماد آلية حوارية ديمقراطية تشاركية وتعددية شاملة لمختلف الآراء ووجهات النظر.
و تبقى الإشارة أنه من الطبيعي أن تجد بعض القضايا الخلافية تمسك بعض أطراف الحوار بمواقفها اعتبارا لمرجعيتها أو مواقفها المبدئية لذلك من الضروري الاتفاق على آلية حاسمة سواء أكانت ديمقراطية أو تحكيمية .
و فيما يخص الآليات نسجل بخصوص هندسة ومنهجية الحوار الوطني غياب الإشارة إلى طريقة تشكيل مختلف الأجهزة و شروط تعيين أعضائها وما هي المهام والصلاحيات المنوطة بكل جهاز بدقة وتفصيل وآجال أشتغالها بالشكل الهرمي التراتبي المشار إليه، وهي عيوب من شأنها القضاء على مبادئ الديمقراطية والفعالية المفترضة في أجهزة الحوار الوطني.
ثانيا : ضرورة توفر إرادة سياسية داعمة للحوار
إن الهدف من هذا الحوار حسب مشروع الأرضية المقترح هو وضع ميثاق لإصلاح منظومة العدالة ومن المعلوم أن مفهوم الميثاق يتجه إلى صيغة اتفاق تأسيسي يقوم على أساس التعاهد بين مجموعة من الأطراف ويتصف بالشمول والثبات و قوته القانونية الإلزامية فضلا عن حمولته الأخلاقية ( مثل ميثاق الأمم المتحدة الموقع في 26 يونيو1945 أو الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي وقع سنة 2000 على المستوى الوطني ) كما يمكن أن تشمل التوصيات ترجمة نوعية و تنزيلا ديمقراطيا لمواد الدستور المتعلقة بالسلطة القضائية وهذا الأمر مرتبط بالمدى الذي تنتهي إليه الإرادة السياسية في إصلاح القضاء.
وإذا كنا في النقابة الديمقراطية للعدل نعتبر أن الإرادة الملكية كإرادة سياسية داعمة لها أهمية كبرى في السير بهذا المشروع إلى مداه، فإننا نعتقد أنه كان حريا بوزارة العدل، لطمأنة أطراف الحوار و عموم الفاعلين حول الضمانات السياسية، أن تحدد في مشروع أرضية الحوار قنوات الربط بين هيكلة الحوار الوطني والقنوات الرسمية خصوصا على المستوى التشريعي وأن تقترح ضمانات أقوى حول تنفيذ توصيات الحوار.كما أنه من المتوقع أن تصدر عن فعاليات الحوار عدة توصيات تهم الجانب التشريعي الذي يختص به البرلمان دستوريا لذلك يطرح التساؤل حول ما هي ضمانات أن يظل هذا التوافق، إن وجد، قائما داخل المؤسسة التشريعية خاصة و أن مشروع وطني من هذا الحجم لا يحتمل الاصطفاف بين أغلبية و معارضة، وحتى يعطى للبعد التشاركي فعالية قصوى ليمتد إلى جميع المستويات نرى أنه من الضروري أن تواكب آليات المقاربة التشاركية مختلف مراحل المخطط الحكومي الناتج عن هذا الحوار أي مراحل تنفيذ وتتبع وتقييم المخطط الوطني لإصلاح القضاء. .
ثالثا : ضرورة توفير الوسائل المادية والبشرية لتنفيذ توصيات الحوار
إن الإصلاح الحقيقي لا يتطلب فقط روتوشات تشريعية بل يستوجب إعداد بيئة مادية ملائمة عبر توفير فضاءات محترمة لتقديم الخدمة القضائية وتشييد المزيد من المحاكم ومراكز قضاء القرب في كل قرى ومدن المغرب وضمان انتشارها بشكل يضمن الحق في الولوج للعدالة مع إرفاق ذلك بتوفير الموارد البشرية اللازمة وتأهيلها وتحسين ظروف عملها لذلك لابد أن ترصد للإصلاح الموارد المالية الكافية من خزينة الدولة وأن يتم القطع مع المقاربات الشكلية والتقنوية التي تحترف اللهث وراء التمويلات الخارجية وترهن البرنامج الإصلاحي بكليته لهذة التمويلات ، وتتخذ مرجعيتها فقط من إملاءات الممولين والشركاء الخارجيين ومتطلبات الرأسمال والاستثمار الجشع …مما يفقد العملية الإصلاحية اتساقها الداخلي وانتظامها الزمني وقدرتها على تقديم الإجابات الحقيقية على الانتظارات الحقيقية. وعلى نفس القدر من الأهمية يجب توفير الإمكانيات البشرية الكافية والمؤهلة لإنجاح المخطط الإصلاحي ، وما لم تكن الدولة مستعدة لإرفاق المشروع الإصلاحي بالإمكانات المادية والبشرية لإنجاحه فإن مصير ميثاق إصلاح العدالة لن يختلف عن مصير الميثاق الوطني للتربية والتكوين .
السادة أعضاء اللجنة العليا للحوار الوطني،
اعتبارا لما سلف ذكره، وبالأخذ بعين الاعتبار للعديد من المؤشرات المحيطة بفعاليات الحوار الوطني الذي انطلقت، كاستمرار الاحتقان في العديد من المحاكم بسبب غياب ظروف السلامة والصحة وبسبب تفشي بيروقراطية استبدادية في تسيير المحاكم وبمركزية مفرطة في تدبير الموارد البشرية وتجهيز البنيات التحتية، بالإضافة إلى ما خلقه إقصاء فئات عريضة من الفاعلين الرئيسيين بالقطاع و في مقدمتهم هيئة كتابة الضبط من تذمر و عدم اهتمام بمجريات الحوار و نتائجه و هو تذمر قد تتطور نتائجه بتطور حجم الضغط و الإمعان في التهميش الذي تعانيه هذه الفئة التي يراد تغييب رأيها قصرا إما لاعتبارات سياسية أو لنزوع ذاتي أو فئوي، و بغض النظر عن كل ما قد يكون أحاط بظروف إنتاج و تنصيب هياكل الحوار الوطني، و من منطلق استقراء تجارب هيآت عليا سابقة أشرفت على تجارب إصلاحية رائدة في مسار المغرب الحديث مثلما هو الأمر بالنسبة لهيئة الإنصاف و المصالحة و الهيئة العليا التي أشرفت على إعداد مدونة الأسرة، فإننا في هذا السياق ندعو أعضاء الهيأة العليا للحوار الوطني وهي مقبلة على التداول في محور الموارد البشرية بقطاع العدل البالغ الأهمية والذي يشكل رهان استراتجي لإصلاح القضاء ندعوكم إلى تحكيم بصيرتكم وقناعاتكم الوطنية ومواقفكم المتقدمة اتجاه العدالة و إلى إعادة النظر بشكل جذري في الآلية التنظيمية للحوار الوطني وفق ما قدمناه وما قدمه غيرنا من تمثيليات ومنظمات مختلفة من ملاحظات واقتراحات تسعى في النهاية إلى إعادة الشرعية والمشروعية لعملية إصلاح منظومة العدالة وإلى جعلها ورشا وطنيا لا ورش حكومة أو حزب.
وتقبلوا السادة الأعضاء فائق التقدير والاحترام
المكتب الوطني
الكاتب العام
محمد عبد الصادق السعيدي