هسبريس - إسماعيل عزام
الخميس 26 دجنبر 2013 - 12:20
فرّ على الدوام من عدسات الكاميرا واستجوابات الصحافيين، لدرجة أن اسمه نادرا ما تواجد في صحيفة مغربية حتى وهو من بين المؤسسين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، النقابة الوطنية للتعليم. الرجل الذي رافق مجموعة من كبار الشخصيات المغربية، وكان بمثابة علبة أسرار الراحلين الفقيه البصري ومحمد عابد الجابري، قبِل أخيرا أن يدلي بشهادته على عدة أحداث مهمة عايشها وكان شاهدا عليها، كي يساهم في إنارة بعض الدروب المظلمة من التاريخ المغربي الحديث، وبالضبط تلك الفترة الحرجة التي استمرت من سنوات الاستقلال إلى تجربة التناوب التوافقي.
عبد القادر الحضري، الأستاذ الجامعي المتقاعد، الذي قرر أخيرا الانزواء في منزله بالحي الحسني الدار البيضاء عوض أن يبقى فاعلا في حزبٍ كثُرت ضده الانتقادات، يتحدث في هذا الحوار الحصري الذي تنشره هسبريس على حلقات، عن الأسباب الذي جعلت الحسن الثاني يسقط حكومة عبد الله إبراهيم، وكيف "خان" الاتحاد المغربي للشغل ثقة المنضوين تحته، عارجا على الخلافات الكبيرة التي وقعت بين قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم على اغتيال المهدي بنبركة، فظروف تشكيل الاتحاد الاشتراكي، وعدة أحداث مهمة أخرى في إطار ما يُعرف بسنوات الرصاص.
(الجزء الثالث)
كيف كانت علاقة قياديي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فيما بينهم؟
في المجمل كانت جيدة، لكن ما أتذكره هو أن علاقة المهدي بنبركة بالمحجوب ابن الصديق لم تكن أبدا مميزة، ويعود ذلك بدايةً إلى الاختلاف في وجهات النظر إبان الانفصال عن حزب الاستقلال، بنبركة كانت غايته إصلاح الحزب وعدم الخروج منه، بينما كان ابن الصديق يؤيد الانفصال التام، وهو ما استجاب له بنبركة في الأخير على مضض، إلا أن الخلاف استمر بشكل مؤثر للغاية، خاصة وأن الجناح النقابي والموالين له كانوا مع ابن الصديق، وبنبركة كان من قادة الجناح السياسي.
ولم يكن التوتر حاصلا فقط بين ابن الصديق وبنبركة، بل كان هذا الأخير على خلاف مع الكثير من العناصر القيادية لِمَا سمي بالقوة الثالثة، وكان مظلوما بشكل واضح حسب ما أكد لي الجابري أكثر من مرة، فقد كان مخنوقا نتيجة ذلك، وهو ما جعله يسافر إلى الخارج بشكل متواصل، كي ينأى بنفسه عن بعض الصراعات داخل الحزب الجديد، خاصة وأن الجناح النقابي الممثل في الاتحاد المغربي للشغل دخل في علاقات حقيقة مع الدولة.
كيف ذلك؟
الدولة ساعدت الاتحاد المغربي للشغل كثيرا في بداياته، خاصة من ناحية توفير المقرات والدعم المادي، لذلك وجد الاتحاد النقابي نفسه مضطرا إلى عدم الخروج من نسقها، وقد ظهر ذلك في خذلانه الجماهير الشعبية خلال إضراب الموظفين الذي كان مقررا في 19 يونيو1961 ، فبينما كان الجميع معبأً، وقبل ليلة واحدة، خرجت قيادة الاتحاد ببيان تعلن فيه تعليق الإضراب.
وزيادة على ذلك، فقد قرر جهاز ابن الصديق مقاطعة الانتخابات النيابية التي جرت في 1963، مقابل الصفقة المخزية التي جرت بين ابن الصديق ورضا اكديرة لكي يحرم الاتحاد الوطني من أصوات العمال، دون أن ننسى موقف ابن الصديق السلبي من الأحداث الدامية لسنة 1965.
وماذا كان موقف عبد الله إبراهيم من هذه الأحداث؟
هذا الرجل علامة وازنة فكرا وسلوكا ولكنه استفهام كبيرة في تاريخ الحزب، فقد احتضنه الاتحاد المغربي للشغل وبقي راضيا على خط المحجوب ابن الصديق الذي كان يعتبر النقابة "خبزية" وليست"سياسية".
أكيد أنه لا يصح التقليل من قيمته، إلا أنه لم يساير الخط النضالي كما فعل البصري وبوعبيد وبنبركة واليوسفي، بل إن الجابري كان يقول لي إن ابراهيم كان شديد الحرص والتحفظ خلال فترة إدارته لجريدة التحرير، حيث كان يدقق في كل مادة قبل إرسالها للمطبعة، وكثيرا ما كان تدقيقه الزائد عن اللزوم، يُضيّع جهود طاقم الجريدة الذي كان الجابري واحدا منه، بل إن عبد الله ابراهيم كان كذلك من الجناح الرافض للتقرير الذي أعده بنبركة خلال المؤتمر الثاني للحزب سنة 63، وهو التقرير الذي اعتمد مضمونه وآفاقه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مؤتمره الاستثنائي 1975
إذا كانت مواقف الاتحاد المغربي للشغل غير مشرّفة، لماذا استمر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يعمل بالموازاة معه؟
لم يستمر بنفس النسق، بل تأزمت العلاقات داخل قيادة وقواعد الاتحاد الوطني نتيجة تلك المواقف المتخاذلة لقيادة الاتحاد المغريي للشغل، وبدأ التفكير جديا في تأسيس نقابات تلتزم الخط النضالي. وهكذا تم تأسيس النقابة الوطنية للتعليم سنة 1966 ، كما تم تأسيس النقابة الوطنية للبريد، وتلتها نقابات أخرى في أفق تكوين مركزية، سيكتب لها أن تحمل اسم الكونفدرالية الديموقراطية للشغل سنة 1978.
http://www.hespress.com/histoire/97254.html