CAWALISSE.COM
كواليس اليوم: محمد البودالي
استغل محامون من مختلف مدن المملكة، قضية محامي مدينة خنيفرة،
الذي وضع رهن تدابير الاعتقال الاحتياطي بأمر من قاضي التحقيق، رغم توفره
على جميع الضمانات، لإثارة الانتباه مرة أخرى إلى طامة الاعتقال الاحتياطي
التي لم يعد يفلت منها أحد، رغم مناشير وزارة العدل والحريات، وتوصيات
وخلاصات لجان الحوار والنقاش حول منظومة العدالة بالبلاد، ودق ناقوس الخطر
من هذه “المصيبة” التي تضرب العدالة في مقتل، وتهدد سلامة وحرية الأفراد.
وتأتي هذه التحركات، حسب مصادر “كواليس اليوم”، بعدما استجابت
الغرفة الجنحية إلى هيأة دفاع المحامي المعتقل واستقرت قناعتها على
الإفراج عنه، وتمتيعه بالسراح المؤقت، إلى حين صدور حكم نهائي.
ويرى رجال قانون أنه لو كانت وزارة العدل والحريات، أو أي جهة
رئاسية أخرى، تسائل بصرامة أي قاض عن مبررات لجوئه إلى اتخاذ قرار باعتقال
أي مشتبه فيه يحصل على البراءة أو عدم المتابعة أو حتى الحبس الموقوف في
نهاية محاكمته، لما استمرت مثل هذه الممارسات، والقاضي الذي يعرف أن
بإمكانه اتخاذ أي قرار، حتى ولو جانب العدالة، وهو محصن من أي مساءلة أو
متابعة عن الخلل أو الخطأ الذي قد يرتكبه في حق المشتبه فيهم، ممن يحصلون
على البراءة في النهاية، لن يتوانى عن التمادي في ارتكاب مثل هذه
الانتهاكات التي تطال حرية الأفراد.
والواقع، كما يؤكد أهل القانون، لم يكن من المفروض أن يتم وضع
هذا المحامي رهن الاعتقال، لكون الملف ليس من الضخامة بما كان، وهو ما
يطرح علامات استفهام عريضة حول لجوء قاضي التحقيق بخنيفرة، وهو بالمناسبة
رئيس نادي قضاة المغرب بالمدينة، إلى اتخاذ قرار بالاعتقال، عوض تدابير
أخرى، لائحتها بالعشرات، من التدابير البديلة التي كان يمكن اللجوء إليها
من قبيل الوضع تحت المراقبة القضائية أو السراح المؤقت، علما أن الأمر
يتعلق بمحام يتوفر على كافة ضمانات الحضور، بصرف النظر عن حيثيات الملف.
وفي نظر رجال قانون، فإن هذه القضية وأخرى غيرها تضع وزارة
العدل والحريات أمام الأمر الواقع، بالحرص مستقبلا على وضع حد لإسهال
المناشير والدوريات التي تطالب بترشيد الاعتقال الاحتياطي، والتي لم تؤتي
أكلها أبدا، لأن عددا من القضاة لا يهتمون بها مادامت غير ملزمة، وتدخل في
إطار التوصيات فقط، وفي المقابل، استغلال دورة المجلس الأعلى للقضاء
الأخيرة، لإعادة النظر في الأشخاص هذه المرة، عوض الحديث عن القوانين
والنصوص، لأن الترسانة المغربية كافية في حد ذاتها، وما تحتاجه إليه هو
التطبيق السليم لا غير.
وقد اختار قاضي التحقيق بمدينة خنيفرة أن يعتقل المحامي ويأمر
بإيداعه بالسجن المحلي بصفته رئيسا لجمعية خيرية على خلفية اتهامه بسوء
تدبير مبالغ مالية تناهز 48000 درهم، وذلك “رغم أن المحامي عزز موقفه
بفواتير أداء بعض المستحقات على الجمعية”، واقترح المحامون الذين آزروا
زميلهم، والذين تجاوز عددهم 50 محاميا، على قاضي التحقيق كفالة بالقدر الذي
يرتضيه كبديل عن الإيداع في السجن، رغم أن القضية “لا تعتبر من حالات
التلبس وتحتاج إلى بحث دقيق، خاصة أن الزميل هو المشتكي الأصلي وتم إيداع
المشتكى بهم أيضا في السجن، وقد تحقق وعيدهم للمحامي بتلقي نفس المصير”،
يقول أحد أعضاء دفاع المحامي.
وإن كانت هذه الحالة قد أخذت مسارا آخر لكون الأمر يتعلق
بمحام وجد تضامنا ومؤازرة من العشرات من زملائه، فكيف يكون الأمر مع
مواطنين بسطاء قد لا يجدون حتى ما يدفعون به أتعاب محام واحد، ممن تكتظ بهم
سجون البلاد؟